أعلنت وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات عن تدريس مقرر الفلسفة في مراحل التعليم الثلاث، وذلك بدءاً من العام الدراسي المقبل.

والحق أن صحيفة «البيان» العزيزة كانت سبّاقة في الدعوة إلى تدريس الفلسفة. فقد نشرت لنا مقالين حول أهمية الفلسفة وضرورة تدريسها. المقال الأول وعنوانه «ضرورة الفلسفة» بتاريخ 18 أكتوبر 2015، وقد كتبنا في حينها قائلين:

«لهذا يجب أن تكون الفلسفة حاضرة في المرحلة الثانوية على الأقل بوصفها مقررات دراسية، إذ لا يجوز أن يتخرج الطالب في المدرسة الثانوية دون وعي منطقي ومعرفي وأخلاقي وجمالي، فالمرحلة الثانوية هي التي يشهد فيها التلاميذ تطوراً جسدياً فجائياً يصاحبه تطور عاطفي وعقلي ملحوظ.

حيث يواجه التلميذ أسئلة جديدة في الحياة وهو في مرحلة التفتح على العالم، ويجب أن يتعلم كيف يجيب عن هذه الأسئلة، فضلاً عن ذلك يجب ألا يترك التلميذ نهباً للوعي العامي وما شابه ذلك. فتزويد التلميذ بفن التفكير يحرره من الخضوع إلى خطابات تضر بالوعي وهو يخوض معركة الحياة.

إن التلميذ وقد انتقل إلى المرحلة الجامعية وما شابه ذلك سيعيش حياة معشرية جديدة، ويرسم مستقبله، وكلما كان وعيه بالحياة متقدماً كان أقدر على اتخاذ الخيارات الأسلم والأدق».

أما المقال الثاني بعنوان «لماذا الفلسفة؟» فكان بتاريخ 29 ديسمبر 2018، ودعونا فيه لتدريس الفلسفة بكل مراحل الفئات العمرية في المدرسة وفق منهج تربوي يأخذ بعين الاعتبار ملكة التلقي عند الفئات العمرية للتلاميذ. ولعمري بأن خلق طقوس الحوار بين المعلم والتلاميذ وبين التلاميذ في الدرس الفلسفي حول قضايا عامة تشغلهم، يخلق بدوره عقلية التسامح والاعتراف المتبادل بين المختلفين في الرأي.

فروح الفلسفة هي روح الحب، أليست هي في أصلها وفصلها حب الحكمة.

ولما كانت التجربة الحضارية الإماراتية عملية مستمرة، وتطوراً لا يتوقف، وإنجازاً متنوعاً، يشمل كل صعد الحياة والإبداع، فإن إغناء التجربة الإماراتية بدورها عملية لا تتوقف، من جهة، ويجب أن تشمل مختلف جوانب الحياة، من جهة أخرى.

وإذا كانت دولة الإمارات قد جعلت من قيم التسامح والتعايش والإنصاف واقعاً معيشاً، فإن دور الفلسفة في إغناء هذه التجربة على غاية كبيرة من الأهمية، فالتسامح والتعايش والسعادة، مفاهيم، تتطلب خطاباً فلسفياً، وثقافة تنويرية، لا على مستوى الدولة فقط، بل على مستوى المجتمعات العربية المتنوعة لتتحول هذه المفاهيم إلى ثقافة عامة. من هنا تبرز أهمية الفلسفة بشكل عام، لجميع بلدان العرب.

وتبرز أهمية الفلسفة اليوم بوصفها العقل المنطقي المتحرر من الأوهام في مواجهة جميع الحركات النكوصية التي تجعل من الدين أيديولوجية سياسية تسعى من ورائها تخريب البلاد والعباد.

فالعقلانية، بوصفها استراتيجياً تفكيراً وممارسة، مستحيلة التحقق دون التحرر من الأيديولوجيا المفسدة للحياة، دون التحرر من أوهام استعادة تاريخ قديم، والتاريخ لا يعيد نفسه، كما تؤكد الفلسفة.

إن الفلسفة ليست مجرد مبحث يتلقاه الطالب كأي مبحث آخر فقط، إنها ثقافة ونظرة إلى الحياة مؤسسة على المنطق ومناهج المعرفة.

ولهذا فالثقافة الفلسفية ذات أهمية كبيرة للنخبة التي تفكر استراتيجياً بالواقع والمستقبل، فمشكلات الوجود والمعرفة والقيم الأخلاقية والجمال والمجتمع والسياسة، هي الموضوعات التي تتناولها الفلسفة وتحوّلها إلى ثقافة مجتمعية عبر أشكال من الخطابات، بما فيها الخطاب الفني السينمائي والدرامي التلفزيوني.

بقي أن نقول، بأن الفلسفة تزوّدنا بالأفكار الجديدة، والمفاهيم المفتاحية لفهم الحياة، ورسم الطرق المثلى لمواجهة مشكلات الواقع. وذلك لأن النزعة الإنسانوية هي جوهر الفلسفة وماهية خطاباتها.

* كاتب فلسطيني