عندما يتعلق الأمر بالقهوة، هناك العديد من الروايات حول أصولها، وربما يكون أكثرها شيوعاً أنها نشأت من الهضبة الإثيوبية في القرن التاسع الميلادي.

حيث لاحظ أحد الرعاة ويدعى «كالدي» أن ماعزه بدت نشطة على نحو خاص بعد أن أكلت التوت من شجرة معينة.

وبعد الإبلاغ عن اكتشافه إلى دير محلي، جرت محاولات لصنع مشروب باستخدام التوت بعد إحراقه أولاً في النار، وتم التحقق من آثاره المحفّزة، وانتشرت الأخبار بسرعة. ومن بين القصص الأخرى أسطورة الصوفي غوثول أكبر نور الدين أبو الحسن الشاذلي الذي شاهد طيوراً تأكل التوت أثناء سفره في إثيوبيا القديمة وقرر تجربته بنفسه.

وتشير الحقائق التاريخية إلى اكتساب الاستخدام الثقافي للقهوة شعبية في منتصف القرن الخامس عشر، حيث اكتسبت شعبية في العالم العربي، وبينما كانت آثار القهوة تتمثل فقط في شحذ الحواس، إلا أن المجتمعات التقليدية تعاملوا مع هذه الاتجاهات الجديدة بحذر.

كان من المعروف أن المحافظين، مثل سليمان القانوني، استغلوا قوة المفتين الفاسدين والمفلسين أخلاقياً في تمرير الفتاوى لخدمة الأجندات الشخصية؛ وإصدار فتاوى ضد مجموعة متنوعة من القضايا الاجتماعية والسلع، بما في ذلك القهوة. واستمر هذا الحظر قبل أن يتسيّد العقلاء المشهد ويضمنون إتاحة تناول القهوة للجميع مرة أخرى، لكن في بعض الحالات، بسعر مرتفع.

بعد انتهاء الحظر المفروض عليها ومع تزايد شعبيتها مرة أخرى، من المحتمل أن يكون أصل كلمة القهوة في ثقافاتها المختلفة قد انتشر من نوعين مختلفين من أصولها العربية. أولاً، القهوة، وهي اختصار لقهوة البن، والتي تُترجم حرفياً إلى «نبيذ البن»، أو ثانياً، «قها»، وتعني «فقدان الشهية»، نظراً لقدرتها على التخلص من الجوع.

في كلتا الحالتين، تطورت الأسماء مع انتشار المشروب شرقاً، حيث أطلق عليها الأتراك اسم «كهڤا» (kahve)، وأطلق عليها الهولنديون اسم «كوفي» (koffie)؛ وأخيراً سميت باللغة الإنجليزية «كوفي» (coffee). بحلول القرن السادس عشر، كانت القهوة قد شقت طريقها على طول طريق الحرير إلى أوروبا.

حيث قوبل تناولها في البداية بالريبة والتعصب الديني، وتناول البابا كليمنت الثامن عينات منها، حيث أعلن أنها مشروب مسيحي وإسلامي. مع تغلغل القهوة عبر جميع الطبقات والمجموعات الدينية دون تمييز، يُزعم أن شخصاً لبنانياً يدعى «يعقوب اليهودي» أسس أول مقهى في أكسفورد في عام 1650.

بعد مرور ما يقرب من ثلاثمائة عام، استمر اعتماد العالم الذي يبدو طبيعياً على القهوة في الازدهار في صناعة تبلغ قيمتها 100 مليار دولار، مما يجعلها ثاني أكثر السلع تداولاً بعد النفط الخام.

وبصفتي من محبي القهوة، فقد كنت محظوظاً بتجربة مجموعة متنوعة من جميع أنحاء العالم، مع اكتساب فهم أعمق للنظام البيئي للصناعة؛ الأمر الذي أدى إلى قيام مركز دبي للسلع المتعددة بالبحث في كيفية تنويع أعماله القائمة على السلع لدعم أصحاب المصلحة من خلال حل أسهل للتخزين والمعالجة والتحميص والتعبئة والتجارة.

انطلاقاً من معرض تجاري نظّم في أديس أبابا في عام 2016، بدأنا أنا وفريق عملي في تحقيق إنجازات أكثر جدية فيما يتعلق بكيفية قيام مركز دبي للسلع المتعددة بتعزيز صناعة القهوة الدولية من خلال دبي، وشمل ذلك العديد من الرحلات إلى الدول المنتجة للبن مثل بوروندي ورواندا وإندونيسيا وأوغندا، والاجتماع مع سلالات أساطير الصناعة مثل أندريا إيلي وجوزيبي لافاتزا.

وبعد تحليل دقيق، إلى جانب مستوى هائل من الدعم من المزارعين والمصدّرين والتجار والمحامص وتجار التجزئة، تم افتتاح مركز القهوة التابع لمركز دبي للسلع المتعددة رسمياً بتاريخ 19 فبراير 2019.

المركز المقام على مساحة تزيد على 15000 متر مربع، بمرافقه الحديثة، أعاد لدبي مكانتها كمركز رئيسي لسلاسل توريد القهوة في العالم، الأمر الذي مكّن حتى الآن من تجارة أكثر من 30 نوعاً من حبوب البن الخضراء من مناطق بعيدة مثل أمريكا الوسطى والجنوبية وأفريقيا وآسيا.

وحتى البيئة الصعبة التي فرضتها الجائحة لم يكن لها تأثير يذكر على مرونة سلاسل توريد البن، حيث حافظت الدول التي تضررت بشدة من الجائحة، مثل البرازيل، على الإنتاج، بل ومن المحتمل أن تنتج محصولاً قياسياً. ومع ذلك، كمُيسر غير متحيز لسوق البن العالمي، كان مركز دبي للسلع المتعددة لا يقدّر بثمن بالنسبة للعديد من التجار، الذين تمكنوا من تخزين منتجاتهم والحفاظ عليها بأمان بسعر تنافسي للغاية، بغض النظر عن أي اضطراب في نماذج الطلبات لديهم.

بعد زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي أكد في شهر يونيو أن الاستثمارات في إنشاء البنية التحتية المادية والتشريعية لم تدعم فقط الأهداف الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة بل إنها ساعدت أيضاً في تنويع الاقتصاد لدعم جميع الشركات المحلية، اتخذ مركز دبي للسلع المتعددة القرار المحسوب بتوسيع المركز من أجل مضاعفة إنتاجه ثلاث مرات بما يتماشى مع طلب السوق، مع هدف نهائي لمعالجة 20000 طن سنوياً.

كمشروب كان في قلب حقبة عظيمة من الثقافة والفلسفة والضيافة العربية، قبل محاكاة التأثير نفسه على الثقافات حول العالم، يمكن القول إن التأثير الإيجابي للقهوة قد وصل الآن بشكل جيد وحقيقي إلى مستوى عالمي؛ وهو ما يضفي مزيداً من العمق والمصداقية على اقتباس توماس جيفرسون، «القهوة - المشروب المفضل للعالم المتحضر».

الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة