ربما يكون 2020 هو العام الأصعب اقتصادياً في القرن الحادي والعشرين بسبب تداعيات جائحة «كورونا»، كما كان الكساد أو الانهيار الكبير الذي وقع في عام 1929 هو الأسوأ في القرن العشرين، واستمر نحو عقدين من الزمان في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.بدأ الانهيار الكبير في أمريكا ثم انتقل إلى أوروبا، ومنها إلى كل دول العالم بلا استثناء. كان تأثير هذا الانهيار مدمّراً على كل الدول تقريباً الفقيرة منها والغنية، وانخفضت التجارة العالمية ما بين 50 إلى 70 %. كما انخفض متوسط دخل الفرد وعائدات الضرائب، وتضررت قطاعات ضخمة مثل الزراعة والتعدين، وتشردت عائلات بأكملها، وصارت تنام في الأكواخ، وتبحث عن قوتها في أكوام القمامة.

هذه المرة انطلقت الجائحة من الصين، ثم انتقلت إلى أمريكا وأوروبا ثم إلى باقي دول العالم، شرقه وغربه، بلا استثناء.

جاءت جائحة «كورونا»، وألقت بظلالها الكثيفة على المشهد العالمي كله والاقتصاد المصري بالضرورة كجزء من الاقتصاد العالمي، لتعيد تغيير المشهد بأكمله، وتعيد ترتيب الأولويات من جديد.

على الرغم من تلك الظروف الصعبة وغير المسبوقة، نجح الاقتصاد المصري في مواجهة الجائحة نتيجة الإصلاحات الضخمة التي ساعدته على الصمود. وبحسب تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي»، الصادر عن صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي، فإن الاقتصاد المصري هو الاقتصاد الوحيد في المنطقة الذي حقق معدل نمو إيجابياً في ظل تلك الأزمة. وقد رفع التقرير توقّعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر إلى 3.5% مقابل توقعاته السابقة التي كانت تقف عند حدود 2 %، في تقرير يونيو الماضي.

أيضاً جاء تقرير مؤسسة «فيتش» للتصنيف الائتماني ليؤكد أن مصر في طريقها لتحقيق أعلى معدل نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من 2020 حتى 2024، ما أدى إلى انخفاض معدل البطالة إلى 7.3 % في الربع الثالث (يوليو - سبتمبر) منذ 2020 مقارنة بـ9.6% في الربع السابق (أبريل - يونيو) من العام نفسه.

هذه النجاحات الاقتصادية المهمة صاحبها ما يمكن أن يطلق عليه الدبلوماسية الاقتصادية، التي قادتها الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، بهدف بناء شراكات تنموية مع الأقطاب الاقتصادية العالمية، لتحقيق تعاون إنمائي فعال، وتنمية وتدعيم علاقات التعاون الاقتصادي بين مصر والدول والمنظمات الدولية والإقليمية.

الدبلوماسية الاقتصادية المصرية نجحت في التغلّب على متاعب وأوجاع «كورونا»، والحد من مخاطرها، ما أدى إلى توقيع اتفاقيات للتمويل التنموي خلال العام الحالي تصل قيمتها إلى 9.8 مليارات دولار، بواقع 6.7 مليارات دولار لقطاعات الدولة التنموية، و3.1 مليارات دولار لمشروعات القطاع الخاص.

سألت د. رانيا المشاط عن مدلول هذا الرقم على الرغم من الظروف الاستثنائية لهذا العام التي تجتاح العالم كله؟

أجابت: هذا العام كان استثنائياً بكل المقاييس، حيث واجه العالم فيه تحديات لم يواجهها من قبل بسبب جائحة «كورونا» التي تخطت الحدود الجغرافية، وأودت بحياة الكثيرين، وانتقل تأثيرها إلى الجوانب المالية والاقتصادية والاجتماعية، لكن على الجانب المقابل، فقد أكدت جائحة «كورونا» أهمية التعاون المتعدد الأطراف، لتصبح الجائحة فرصة للعالم لتصحيح المسار، والعمل بابتكار وأساليب متجدّدة تساعد على توجيه طاقاته نحو البناء.

وأوضحت الدكتورة رانيا المشاط أنه في ظل الجائحة كان من الصعب السفر إلى الخارج لحضور المؤتمرات، وعقد المفاوضات، ومع ذلك نجحنا، من خلال منصة التعاون التنسيقي المشترك، من إيصال احتياجات القطاعات التي تحتاج إلى تمويل مثل الصحة والتعليم والنقل والزراعة، التي كانت محل ترحيب وقبول من الشركاء الدوليين، بعد أن أصبحت التجربة المصرية تجربة يقاس عليها للدول الأخرى.

قلت: سمعنا كثيراً عن الدبلوماسية السياسية، والآن هناك تعبير مستجد عن الدبلوماسية الاقتصادية، فما هو المقصود من تلك الدبلوماسية، وهل كان لها دور فيما حدث من نجاح في مجال التمويل التنموي؟!

أجابت وزيرة التعاون الدولي: الهدف من الدبلوماسية الاقتصادية هو تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال التعاون المتعدد الأطراف في إطار بناء شراكات تنموية، لتحقيق تعاون إنمائي فعال، ودعم علاقات التعاون الاقتصادي بين مصر والدول والمنظمات الدولية والإقليمية.

أخيراً، يبقى القول إن ما حدث هو قصة نجاح مصرية في هذا العام الاستثنائي الأصعب في القرن الحادي والعشرين، على الرغم من كل المصاعب والتحديات بسبب جائحة «كورونا» التي أكدت أهمية بناء الدولة الوطنية القوية والحديثة، وفي الوقت نفسه، بثت روحاً جديدة في تفعيل العمل الدولي المتعدد الأطراف، وهو ما نجحت فيه الدبلوماسية الاقتصادية المصرية باقتدار ومهارة.

* كاتب ومحلل سياسي