جمعتني مقاعد الدراسة في أفريقيا بمجموعة من الزملاء، أصبحوا اليوم يُشكلون تياراً سياسياً يُعوّل عليه أن يكون قائداً للمرحلة المقبلة، وقبل أسابيع معدودة اتفقنا أن نلتقي عبر برنامج «زووم» بعد انقطاع تجاوز العام، وفي خضم حديثنا الفكاهي واسترجاعنا لذكريات الدراسة التي جمعتنا منذ عام 2009، قال لي أحدهم «لا أستطيع نسيان نقاشك في محاضرة الاستراتيجية والأمن القومي.
والتي خرجت منها بالكثير من المعرفة والقليل من الهدوء، ولكن أريد أن أسألك اليوم، ما هي الاستراتيجية الخليجية لدول الساحل والصحراء، وماذا يضر دول الخليج إن استمر الإرهاب في الساحل والصحراء أو لم يستمر؟»، أجبت زميلي بإجابة وافية وصريحة لا أعتقد أن مساحة المقال كافية لسردها كاملة، لذلك سأكتفي في السطور المقبلة من هذا المقال بمناقشة ما يمكن أن نقدمه في المرحلة المقبلة.
في جميع رحلاتي العلمية إلى القارة الأفريقية أحرص على عادتين، الأولى: مقابلة النخب الأفريقية التي لم تتلوث بالمال السياسي، والتي أشرنا إلى كينونتها في مقال سابق حمل عنوان «سيناريوهات المواجهة»، فمن تلك النخب فقط سيعرف المرء أن للأوطان غنائم بعضها قابل للقسمة وبعضها قابل للاحتكار، وهذا ما يُسهّل المهمة لأي باحث يريد أن يصل للحقيقة كما هي، مهما بلغت مرارتها، ومهما قل الناطقون بها.
الثانية: اقتناء المراجع التاريخية الموغلة في القدم والتي منها يمكن أن يفهم المرء ما الذي قاموا بتدوينه في تلك الحقب التاريخية من حقائق ليسهل علينا فهم ما آلت إليه الأمور في عالم اليوم، وفي كل مرة أعود فيها لأرض الوطن قادمة من أفريقيا لا بد أن يتم إيقافي لسؤالي عن كمية الحقائب المحملة بالكتب، والتي من وجهة نظر السائل، لا يمكن أن تكون لمسافر واحد.
تعددت الأوجه التي تتسابق للرئاسة في دول الساحل والصحراء الأفريقية، وأياً كان الفائز في الانتخابات، فالسياسات الخارجية لتلك المنطقة لن تشهد ذلك التغيير الذي تأمله شعوب تلك المنطقة، حتى وإن اختلفت نسبة التعاطي مع الملفات الداخلية والخارجية، وهذا ما تدركه القيادات السياسية الأفريقية باختلاف توجهاتها.
لعبت بعض العواصم الخليجية دوراً في منطقة الساحل والصحراء منذ ما قبل عام 2013 بدءاً بدعم التنمية، مروراً بالمشاركة في الإفراج عن بعض الرهائن الغربيين وليس انتهاءً بدعم محاربة الإرهاب في تلك المنطقة، إلا أن الدور الخليجي اليوم في تلك المنطقة تراه النخب الأفريقية دوراً جديداً لم تألفه من قبل.
وترغب بحرص على فهمه، وهذا ما جعلها، أو فلنقل أجبرها، أن تضعه في سياق يحتاج منا كخليجيين أن نفسره، خاصة أن الدور الخليجي في فكر النخب الأفريقية، أصبح أشبه بالإطار الذي يحتاج لصورة حتى يُفهم.
فالنخب الأفريقية ترى أن الوجود الخليجي في أفريقيا عموماً، قد يكون مؤقتاً وقد ينتهي يوماً ما، ولتصحيح ذلك لا بد من عمل الآتي: العمل على تعزيز التقارب الخليجي الخليجي في أفريقيا، لأن مستقبل الوجود الخليجي مرتبط بمدى تعزيز ذلك التقارب ودعمه، فالواقع السياسي في منطقة الساحل والصحراء.
وفي أفريقيا عامة، يؤكد أن وجود المصالح الخليجية في تكتل خليجي جماعي سيعززها بشكل يفوق وجودها منفردة، وبالتالي لا بد أن يتخذ التقارب خطوات جادة، ولا بد أن يكون متسلحاً برؤية استراتيجية واعية بعيدة المدى، هدفها كسب القاعدة الشعبية الأفريقية، حتى نكون أقرب للمزاج الأفريقي من أي وقت مضى، والعمل على إبراز وجهة النظر الخليجية لشعوب منطقة الساحل والصحراء.
إرساء قيم اقتصادية قوية لتكتل خليجي أفريقي مستقبلي، خاصة أن بعض دول الخليج نجحت في دعم التمويل الإسلامي وإصدار الصكوك الإسلامية في بعض الدول الأفريقية، وهذا سينعش الاقتصاد الأفريقي من ناحية، ويحافظ على الأموال الخليجية بعيداً عن أي ابتزاز سياسي اقتصادي مستقبلي، من ناحية أخرى.
وضع خطة عملية لمشاركة الكتاب الأفريقي في جميع العواصم الخليجية لتعزيز التواصل الثقافي الخليجي الأفريقي، وتقريب وجهات النظر بين الجانبين.
الاستثمار في الطلبة الأفارقة الدارسين في الجامعات الخليجية، فهؤلاء أرى أنهم خير سفراء لنا في أفريقيا، وهم من نعتمد عليهم في نقل صورة المجتمع الخليجي إلى القارة السمراء.