بإحدى وعشرين طلقة مدفعية، وحفاوة رسمية واضحة، استقبلت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الشقيقة منذ أيام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي قام بزيارة مثمرة للبلدين، ضمن توجه واضح لحكومة الكاظمي لتعزيز علاقات العراق وارتباطه الطبيعي بعمقه العربي.

وقد حملت هذه الجولة الخليجية لرئيس الوزراء العراقي، وحفاوة الاستقبال الرسمي الذي استُقبل به في أبوظبي والرياض، دلالات واضحة لا تخطئها العين، أهمها الحرص المشترك من قبل الدول الثلاث على تدشين مرحلة جديدة في العلاقات العراقية- الخليجية خاصة، والعلاقات العراقية- العربية عامة، شعارها «الترحيب بعودة العراق لحاضنته العربية»، والحرص الإماراتي- السعودي خاصة على تقديم كل سبل الدعم للعراق الشقيق من أجل مساعدته على تعزيز أمنه واستقراره، ودفع مسيرته التنموية من جديد، وتعزيز قدرته على مواجهة التحديات الأمنية الداخلية التي يواجهها والتصدي للتدخلات الخارجية السلبية في شؤونه، بما يمكن هذا البلد الشقيق من العودة إلى ممارسة دوره الطبيعي في مسيرة العمل العربي المشترك.

ففي أبوظبي، أثمرت زيارة الكاظمي عن بيان مشترك للبلدين تعهدت فيه دولة الإمارات باستثمار ثلاثة مليارات دولار في العراق، وأكد أهمية تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، وتبادل المعلومات لمكافحة الإرهاب، الذي لا يزال يمثل الآفة الخطيرة والتحدي الأكبر للعراق الشقيق بالرغم من نجاح هذه البلد في إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش الإرهابي، والقضاء على دولته المزعومة.

وفي الرياض تضمنت الزيارة عقد اجتماعات على مستوى المجلس التنسيقي بين البلدين، وتوقيع 5 اتفاقيات، في مجالات مالية وتجارية واقتصادية وثقافية وإعلامية، وتعهدات بزيادة استثمارات المملكة في العراق إلى عشرة مليارات ريال، مقارنة بنحو ملياري ريال حالياً، مقابل تعهدات من الكاظمي بعدم استخدام الأراضي العراقية في تنفيذ أي هجمات تستهدف الأراضي السعودية.

وقبل زيارة الكاظمي للإمارات والسعودية، كانت هناك قمة ثلاثية مقرر عقدها في بغداد في نهاية مارس الماضي، بين قادة كل من العراق ومصر والأردن، ضمن آلية التعاون الثلاثية بين الدول الثلاث، واستضافت العاصمة العراقية بالفعل اجتماعات وزراء الخارجية التحضيرية لها، قبل أن تتأجل القمة بسبب الأحداث التي شهدتها مصر إثر حادثة قطاري سوهاج وأزمة السفينة الجانحة في قناة السويس. وتمثل هذه القمة، رغم تأجيلها، مؤشراً آخر على رغبة العراق في العودة لحاضنته العربية، والابتعاد عن سطوة الهيمنة الخارجية التي تحاول بعض القوى الطائفية العراقية المرتبطة بالخارج إبقاءه خاضعاً لها، بكل ما أدى إليه ذلك من تأثير على حالة الأمن والاستقرار في العراق الشقيق وعلاقاته ببيئته العربية.

لا يختلف أحد على أهمية الجهود التي بذلها رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي منذ تسلمه السلطة في العراق لاستعادة الأمن والاستقرار في هذا البلد، ومواجهة التحديات الخطيرة التي تهدده، ولاسيما من قبل الميليشيات الطائفية والجماعات الإرهابية، التي لا تريد للعراق الاستقرار، لأنها تعلم أنه لا مكان لها في عراق آمن ومستقر.

ومن هنا تأتي أهمية الدعم العربي للكاظمي وحكومته لاستعادة الأمن والاستقرار في هذا البلد العربي الكبير، من خلال العمل على تطوير العلاقات العربية، الرسمية والشعبية، مع العراق على كافة المستويات، تعزيزاً لحاضنته العربية، وحماية لأمنه القومي الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وهو الأمر الذي تدركه القيادة الرشيدة في كل من الإمارات والسعودية، وانعكس في النتائج المثمرة لزيارة الكاظمي للبلدين.