كانت الكتب المدرسية قديماً أكبر حجماً من الكتب في أيامنا هذه، وتحتوي على موضوعات أكثر مما تحويه الكتب المدرسية اليوم، وكان ذلك يشكل عبئاً على المعلم ويجعله في سباق مع الزمن، لأنه مطالب بالانتهاء من شرح الموضوعات الدراسية المقررة قبل انتهاء الفصل الدراسي، وعندما أدرك القائمون على إعداد المناهج الدراسية أن ذلك ليس في مصلحة الطالب، ولا يساعد المعلم على أداء دوره على أكمل وجه، كأن يخصص وقتاً للإجابة عن تساؤلات الطلاب أو يضيف معلومة قد تعزز من فهم الطلاب للمادة الدراسية، قامت وزارة التربية والتعليم بتقليل الموضوعات المقررة في المواد الدراسية والاكتفاء بالموضوعات التي يحتاجها الطالب في حياته العلمية والمهنية، وذلك تماشياً مع خطة التطوير التي تقوم بها الوزارة.

أثناء قراءتي أحد الكتب التي تتحدث عن حياة العلماء والمبدعين، توقفت طويلاً عند الفصل الذي يتحدث عن حياة العالم اليوناني «فيثاغوراس» صاحب نظرية فيثاغورث الشهيرة، والذي كانت حياته حافلة بالإنجازات والأسفار في سبيل العلم، فهو أول من أطلق اسم الفلسفة على هذا العلم، وهو أول من جعل الموسيقى علماً قائماً بحد ذاته، وقد طلب منه الإيطاليون أن يقوم بتعليم الناس، فقام ببناء مدرسة تخرّج فيها العديد من العلماء في الهندسة والفن والأدب والرياضيات، ولم يكتفِ بالعلوم الأوروبية، بل سافر إلى مصر في عهد الفراعنة وأخذ العلوم المصرية، وانتقل بعدها إلى بابل التي اشتهر أهلها ببراعتهم في علم الفلك. والحقيقة أن هناك قصةً خلف نظرية فيثاغورث، لا تقل إثارةً ولا أهمية عن قصة حياته، والتي لو كنا نعلم شيئاً عنها، لتغيرت نظرتنا للنظرية أثناء دراستنا لها في المدرسة.

فمن أهم الوظائف التي يجب أن يقوم بها المعلم، صناعة الشغف، وصناعة الشغف عند الطلاب تكون من خلال إبراز أهمية المعلومات التي بين أيديهم، وتعريف الطلاب بحياة العلماء والمبدعين، فلو خصص المدرس نصف ساعة وتحدث فيها عن حياة فيثاغوراس وإنجازاته، قبل أن يتحدث عن أرقامه ونظرياته، لأصبح من السهل على الطلاب دراسة نظرية فيثاغورث وفهمها، لأن الإنسان يحترم الإنجازات ويحب أن يتعرف إلى إبداع المبدعين، وربما يشجعه ذلك على الابتكار والتطوير، ولكن الأمر يتعلّق بمدى شغف الإنسان بالمعلومة، ومدى قدرة المعلم على صناعة ذلك الشغف.