تسع سنوات مضت على انطلاق الدورة الأولى للمنتدى الدولي للاتصال الحكومي، نجح خلالها وبشهادة الخبراء والمتابعين في بناء منظومة مهنية وثقافية حديثة في مجال الاتصال وعلاقة الجمهور بالمؤسسات، بل نستطيع القول إن المنتدى تمكن من وضع ثقافة الاتصال الحكومي محلياً وإقليمياً في سياقها التطوري المتحرك دوماً، هذا السياق الذي دعمته التجارب العالمية بخطئها وصوابها، ومنحته رؤية القيادة وثقافة المجتمع أهم عوامل النجاح.
وعندما تنجح الفعاليات الكبرى ذات الأبعاد الحيوية، تصبح ملكاً للمجتمع، ولا تعود حكراً على الجهة المنظمة، كونها ترسخت وأصبحت مكوناً أصيلاً في المشهد العام، ومؤثراً في حياة كل فرد، وعاملاً من عوامل النمو والتنمية، والأهم من ذلك، أنها تصبح في هذه الحالة، عنصراً من عناصر قوة الهوية الوطنية التي تمنح للدولة صورتها أمام المجتمع الدولي.
وفقاً لهذا التحليل، نتعامل مع المنتدى الدولي للاتصال الحكومي، ونحرص على استمرار فعله وتطور وظيفته، من باب حرصنا على المنجزات الوطنية والمجتمعية وتنميتها، ونسعى نحو الارتقاء به في كل عام ليكون إضافة نوعية متجددة لمشروعنا الحضاري، وليجسد مع الوقت طموحنا نحو أن يكون المنصة الأهم والأكثر تأثيراً على مستوى العالم.
إن واجبنا تجاه المنتدى، يشمل العمل على مسارين أساسين، الأول يتعلق بالتطوير التقني والثقافي، ويتمثل بالشعارات والمحاور والمشاركات لكل دورة، إلى جانب الترويج الإعلامي واستقطاب الاهتمام المحلي والدولي ليتسع مستوى وحجم تأثيره باستمرار، وهذا المسار يتولاه المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة بمهنية عالية تؤكدها مسيرة المنتدى التي تدخل هذا العام سنتها العاشرة.
أما المسار الثاني فهو فهم وتحليل المنتدى كظاهرة اجتماعية ثقافية متصاعدة، وتحديد عناصر قوته ومحركاته الذاتية، وهنا لا بد من التأكيد على أهمية تقديم هذه العوامل وشرحها لتكون بحد ذاتها بوصلةً ومرشداً لفرق الاتصال وللمؤسسات في القطاعين العام والخاص، ونموذجاً للبحث والدراسة من قبل المختصين بعلوم الاتصال بشكل عام.
ولعل العامل الذاتي الأول الذي يجب الإشارة إليه في هذا السياق، هو أن المنتدى جاء استجابة لضرورة انتجتها التجربة الإقليمية والعالمية، وهي ضرورة أن يكون هناك منصة تبحث سبل تطوير العلاقات وتحقيق الشراكات بين المجتمعات والحكومات، في وقت يسعى فيه العالم نحو المزيد من الاستقرار والتنمية ومغادرة حالة الإرباك واللا يقين التي أنتجتها الأزمات والصراعات التي زادت في بداية الألفية الثالثة، ولقد أثبت التاريخ أن ما يأتي نتيجةً للحاجة الطبيعية وتجسيداً للطموح المشترك، يستمر ويتواصل ولا ينتهي.
العامل الثاني، أن فكرة المنتدى شكلت سبقاً جريئاً على مستوى المنطقة، وبالتالي ساهمت في سد فراغ أساسي في مسيرة الاتصال الحكومي، حيث منحها المنتدى منصةً عالمية متخصصة في بحث وتطوير ثقافة الاتصال والتواصل بين مكونات المجتمع، وبهذا دعمت فكرة المنتدى مشروع التكامل الثقافي المحلي، وساهمت في ترسيخ مكانة ودور الدولة التنموي على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
أما العامل الثالث، فيتجسد في فهمنا للقاعدة التي تحكم جميع العلوم الإنسانية والاجتماعية وفي مقدمتها علم الاتصال، حيث تقول: ما كان صحيحاً وثابتاً بالأمس، ليس بالضرورة أن يكون كذلك اليوم.
في العلوم الإنسانية لا توجد منهجيات جامدة وثابتة، لأن المنهجيات هنا، تصنعها الممارسات والتجربة الإنسانيّة، وتحاكمها وتغيرها وتطورها التجربة أيضاً، والتجربة الإنسانية حيّة ودائمة الحركة ولا تتوقف عن إنتاج العبر والدروس، مما يعني أن هذه القاعدة تعد دافعاً أصيلاً ليس لاستمرار المنتدى فحسب، وبل وارتقائه إلى مستويات أعلى من التأثير في كل عام.
العامل الرابع يجسد قدرة المنتدى على هضم التجارب العالمية وتحويلها إلى مبادئ ومفاهيم ومن ثم دمجها في الثقافة، وهذه القدرة تجلت عبر مسيرة المنتدى، وستتجلى بشكل أكثر وضوحاً في دورته العاشرة التي ستنطلق في 26 من سبتمبر المقبل وستستقطب تجارب بارزة عالمياً في ممارسات الاتصال الحكومي إبان أزمة «كوفيد-19» وستبحث مدى استفادة فرق الاتصال وإداراته من التجربة التاريخية للاتصال ومخرجاتها، ما يجعلها دورة مراجعة تاريخية مهمة لمستقبل الاتصال.
هذه هي عناصر القوة الذاتية للمنتدى الدولي للاتصال الحكومي التي تمنحه قيمته المتجددة، وبما أنه ملك للجمهور ومنجز وطني في آن واحد، كان لا بد من الإضاءة عليها ليعلم الجمهور قيمة ما يملك، ولنؤكد له أن المنتدى ليس حالة خاصة، بل هو تجسيد لرؤية قيادة وثقافة مجتمع.
*مدير المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة