شكَّل مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي استضافته العاصمة العراقية بغداد بمشاركة تسع دول عربية وأجنبية، إضافة إلى عدة منظمات إقليمية ودولية، محطة مهمة في مسيرة العراق نحو استعادة دوره الإقليمي واستقراره الأمني بعد سنوات طويلة من الصراعات والحروب والتدخلات السلبية التي عانى تبعاتها شعبه الشقيق، وكذلك شعوب المنطقة العربية التي عانت غياب العراق وانحسار تأثيره الإقليمي. وحمل هذا المؤتمر المهم الذي تميز بحضور عربي كبير على أعلى المستويات العديد من الرسائل المهمة بمضامين مختلفة، جميعها تعزز التفاؤل بمستقبل أفضل للعراق والمنطقة.
الرسالة الأولى تحمل مضموناً يخص العراق نفسه، ومفاده أن هذا البلد الذي استطاع تأمين عقد قمة إقليمية ودولية بهذا المستوى وبهذا القدر من التنظيم المتميز قد قطع بالفعل خطوات كبيرة على طريق استعادة أمنه واستقراره وترسيخ أركان دولته الوطنية، وهذا الأمر عبر عنه بوضوح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته بالقمة والتي عد فيها أن عقد المؤتمر بحد ذاته «نصر للعراق».
الرسالة الثانية عراقية أيضاً ولكن بمضمون إقليمي يتركز بالأساس في سعي العراق من خلال هذا المؤتمر لاستعادة دوره الإقليمي عبر محاولة القيام بدور الوسيط لتخفيف التوترات والخلافات القائمة بين دول المنطقة، والتي عانى هو ذاته، أي العراق، أزمات عديده بسبب هذه الصراعات والخلافات الإقليمية وتدخلات بعض تلك الدول السلبية في شؤونه. وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين صريحاً في تأكيد هذا الارتباط بين صراعات المنطقة وأزمات العراق في كلمته بالمؤتمر الصحفي الذي عقده في ختام المؤتمر، إذ قال:
«إن بعض الصراعات الداخلية في العراق لها أبعاد إقليمية، كما أن الصراعات الإقليمية لها انعكاسات على الوضع الداخلي العراقي، والتهدئة في خارج الحدود تنعكس على التهدئة في داخل العراق». ولعل هذا هو ما دفع العراق للأخذ بزمام المبادرة للدعوة لعقد لهذا المؤتمر لاستعادة دوره وسيطاً محايداً، وفي الوقت نفسه تقليل الضرر الواقع عليه نتيجة الخلافات والتوتّرات الإقليمية.
وقد شهدت القمة بالفعل العديد من اللقاءات والاجتماعات التي عقدت على مستوى ثنائي أو متعدد الأطراف على هامش أعمالها، ووجهت رسائل بإمكان التوافق على تفاهمات محددة لتخفيف التوترات الإقليمية والبدء بمرحلة جديدة شعارها التعاون الإقليمي.
الرسالة الثالثة ترتبط بالحضور العربي المتميز والفاعل في هذا المؤتمر، وهو حضور يحمل رسالة تضامن ودعم عربي قوي للعراق لاستعادة أمنه واستقراره وتأكيد انتمائه العربي، فالدول العربية التي شاركت (دولة الإمارات والكويت والسعودية وقطر ومصر والأردن) أكدت جميعها بشكل واضح مساندتها للعراق أمنياً واقتصادياً وسياسياً بما يحقق استقراره وسيادته وعبرت عن دعمها القوي لهذا البلد العربي الشقيق لاستعادة مكانته التاريخية ودوره الفاعل في المنطقة، والدعوة لوقف التدخلات السلبية في شؤونه، ودعم الجهود العراقية في مكافحة الإرهاب والتطرف.
ويكتسب هذا الحضور العربي أهمية كبيرة في المرحلة الحالية، التي تشهد انسحاباً أمريكياً من المنطقة، لأن ترك العراق سيجعله فريسة سهلة للقوى الإقليمية غير العربية التي تسعى للهيمنة على مقدراته، ومن هنا يوجه هذا الحضور العربي رسالة واضحة بأن العرب يقفون إلى جانب العراق، وسيدعمون عودته الفاعلة لحاضنته العربية.
المأمول أن تكون نتائج هذا المؤتمر أساساً للوصول إلى توافقات إقليمية ودولية تساهم في تخفيف حدة التوترات والصراعات الإقليمية وتضع الأساس لبداية جديدة من التعاون البناء والإيجابي، لأن انعقاد المؤتمر في بغداد وبهذا المستوى من الحضور العربي مكسب مهم للعراق والمنطقة العربية برمتها.
* كاتبة إماراتية