ربما لا يعرف البعض أن أحد أغنى أغنياء الصين، ومؤسس شركة «علي بابا»، أكبر موقع للبيع الإلكتروني في العالم، قد قدم أوراق قبوله كموظف بسيط في نحو ثلاثين شركة، إحداها «كنتاكي»، ولكن طلباته قوبلت بالرفض.

فتخيل لو أنه عُيّن في «KFC»، لصار موظفاً مغموراً في شركة بيع دجاج، ولربما لم يتمكن من بناء إمبراطوريته التي كانت في الأصل شركة متواضعة على «الإنترنت» عام 1995، استلف رأسمالها الهزيل.

كثيرون ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، عندما فقدوا فرصاً وظيفية سانحة، لكن الله قد قدر لهم ما هو أفضل. فاضطر الصيني «جاكما»، مثلاً، أن يعمل مرشداً سياحياً، ويقود دراجته لنحو ساعة ونصف الساعة ذهاباً وإياباً، ليرتاد فندقاً يؤمّه السائحون الأجانب، ليصبح مرشداً مع النزلاء من دون مقابل، فحقق حلمه بتطوير لغته الإنجليزية.

ولذلك، يأتي الحرمان أحيان بصورة «عطاء»، فلولا حرمانه من تلك الوظيفة المتواضعة، لما شق طريقه نحو العالمية والثراء. فكثيرون يفقدون صبرهم، ويستسلمون فور ما تضيع منهم فرصة، وكأنها نهاية العالم، وليست بداية جديدة مشرقة.

وبعد رحلة حافلة بالتحديات والتخبطات والشراكة، بما فيها من عثرات، تعلم جاك من أخطائه، وقرر أن يتقاعد بحلوله سنّ الخمسين، عن الأعمال التنفيذية، ويُبقي ملكياته المالية، ليتفرغ للعمل المجتمعي، وردّ الجميل للناس، وقد فعل.

ومن أولئك الذين صبروا على جَلَد الحياة، الملياردير السعودي الخلوق، سليمان الراجحي، مالك ومؤسس أكبر مصرف في العالم، يعمل وفق أحكام الشريعة، هو مثال آخر لقصة كفاح، لم يستسلم صاحبها لمنغّصات رحلة الكفاح. حيث «عمل حمالاً وحارساً لبضائع البائعين في السوق. وفي وقت الفراغ، كان يتتبع الإبل، لتجميع ما يسقط منها من أحطاب. كما عمل في البناء، وغيرها من المهن»، بحسب موسوعة «ويكيبيديا».

ويُروى أن مالك شركة تصنيع السيارات الهندية، رتان تاتا، قرر عام 1998، تصنيع أول سيارات ركاب هندية عصرية (إندبيكا)، بعد نجاح شاحناته. ثم صُدم بتراجع المبيعات بصورة كبيرة، حاول أن يصبر لفترة، لكنه قرر في نهاية المطاف بيعها. أبدت «فورد» الأمريكية رغبتها في الشراء.

سافر تاتا وفريقه إلى أمريكا، وفي خضمّ الاجتماع، الذي استمر لنحو ثلاث ساعات، قال رئيس الشركة بيل فورد، للهندي تاتا «أنت لا تعلم أي شيء! لماذا أنشأت أصلاً قسماً لسيارات الركاب؟ نحن نقدم لك معروفاً بشرائنا لمصنع سياراتك»! فعدّها المالك الهندي إهانة بالغة له أمام فريقه، ما دفعه لمغادرة الاجتماع. وقرر في الليلة نفسها، وهو عائد إلى مومباي، أنه لن يبيع حلمه (شركته).

ثم عكف على تطوير هذه العلامة التجارية الهندية، حتى صارت عام 2008، أفضل السيارات مبيعاً في السوق، وذلك بعد عشرة أعوام على الاجتماع «المهين»، ليحقق انتصاراً أو رداً للاعتبار ضد تلك الإهانة. وفي الوقت نفسه، كانت «فورد» تعاني خسائر كبيرة، بسبب سياراتي «جاكوار» و«رينج روفر»، اللتين تمتلكهما أيضاً «فورد». فقدم تاتا عرضاً لشراء السيارتين الفارهتين.

هذه المرة، سافر بيلفورد نفسه إلى مومباي، وقال في أثناء الاجتماع لتاتا: «أنت تقدم لنا معروفاً بشراء هاتين السيارتين! شكراً لك». كان أمام تاتا خيار أن «يردّ الصاع صاعين»، بإهانة فورد، لكنه اختار أن يتسامى. المغزى هنا، أن التحلي بالصبر وحسن التخطيط، قد يثمر، أما لحظة الانتصار، قد تتأجل، لكن قد يأتي وقعها أقوى لاحقاً.

وعليه، ففي كل أروقة الأعمال والأسواق والطرقات، هناك قصة كفاح، لم تستسلم لنوائب الدهر، أو شماتة الآخرين، بل حوّل صاحبها تلك التحديات إلى وقود لطاقته. وذلك ليثبتوا للناس أن أفضل طريقة لهزيمة الآخرين، هي مزيد من النجاح والصبر. ومهما كانت سوداوية الموقف، يتذكر هؤلاء المكافحون المثل العربي الشهير: «رُبّ ضارّة نافعة».

ولو أن الصيني جاك وغيره قد استسلموا في بداية السباق، لما كتب لهم هذا النجاح الشخصي والتجاري والتعليمي الباهر. ولذا، يقول العرب «إنما النصر صبر ساعة».

* كاتب كويتي متخصص في الإدارة