جماعة «الإخوان» لا تهدأ أو تمل أو يفتر حلمها. هكذا ولدت أصغر بكثير من حلمها، وهكذا نشأت معتمدة على ادعاء المظلومية، والتظاهر بالإنسانية والعدالة والنهضة كبضائع رائجة، لا سيما للتواقين إلى العدالة بنكهة دينية.

لكن ما بين الحلم والقدرة فجوات عميقة. وما بُني دائماً على كذب أو باطل أو ادعاء أو كل ما سبق مآله الانكشاف والفضح. لكن المشكلة أن الجماعة ظلت منذ تأسيسها تأتي على الأخضر واليابس في كل دولة دخلتها، وكل مجتمع اعتبرته أرضاً خصبة لتحقيق أحلامها.

والقول بأن الجماعة قد انتهت، أو أن فكرها قد تبدد، أو أن أثرها قد تلاشى لا أساس له من الصحة. يمكن القول إن ملايين العرب، لا سيما في الدول التي لسعها جنون الجماعة وشرهها السياسي وعنفها الدموي في العقد الأخير، تيقنوا أن الجماعة محترفة كذب ومتخصصة في تلوين الجشع السياسي والإرهاب الاجتماعي والربح الاقتصادي بألوان الدين. لكنها تظل تبيع الفكرة، والفكرة لا تنافسها أو تنتصر عليها سوى فكرة أخرى أقوى وأذكى وأنفع.

وما ينفع حالياً هو النظر إلى وضع الجماعة في العالم، وكيف ينظر إليها الغرب؟ وعلى أي أسس تحظى بدعم دول هنا وغزل دول هناك ولماذا؟ عبارة «مستقبل الإخوان» ومفرداتها ضمن العبارات الأكثر استخداماً في مؤسسات إعلامية وبحثية وسياسية غربية. «ما مستقبل الإخوان في المنطقة العربية بعد إطاحة مصر بهم؟» «أي مستقبل للإخوان بعد ثمانية أعوام من غيابهم السياسي في مصر؟» «أين بات الإخوان في المشهد السياسي؟» «ما مستقبل الإخوان في تونس؟» «مستقبل الإسلام السياسي في العالم العربي في ضوء ما جرى للإخوان في مصر وتونس» والعناوين ليست «براقة» بحجم المحتوى.

ولا يمكن تجاهل أو تجاوز ما تنضح به أغلب هذه الكتابات والأبحاث من محتوى يعكس رغبة وربما أملاً وأحياناً رجاء في عودة الحياة إلى «الجماعة المكسورة». صحيح أنه يصعب وضع خطوط تحت عبارات تشي بالرغبة، لكنها تنضح بشكل واضح. وإذا استثنينا أتباع ومحبي وداعمي ومشجعي الجماعة، فإن هناك من يفسر محتوى الكتابات والتغطيات والأبحاث بأنها «رغبة غربية ديمقراطية في إعطاء كل مجموعة أو جماعة صوت يعبر عنها وأن العبرة بالصناديق». والبعض الآخر ما زال ممسكاً بتلابيب أن «الجماعة تعكس الإسلام السياسي الوسطي الجميل الذي لا ينتهج العنف أو يدعو إلى القتل». والحقيقة أن ذلك يعود إلى الشكل المختلف تماماً الذي يتخذه أعضاء الجماعة المقيمون في هذه الدول. فهم «ناس في حالهم» يعملون ويسددون الضرائب وحين يتحدثون في المحافل ينتقون الكلمات المعسولة، ويسردون حكايات المظالم والصعبانيات بشكل يدغدغ المشاعر ويحقق الشعبية ويضمن التضامن والتعاطف.

لكنهم لا يذكرون شيئاً عن «أخونة» الشعوب ومظاهر الحياة في المجتمعات ومصالح العمل والشركات. ولا يتطرقون إلى نبذ كل ما ومن هو غير إخواني واعتباره «درجة ثانية». ولا يروون شيئاً عن أعمال العنف والقتل والاعتداء والتهديد بإشعال النيران في من يعترض أو يعارض على الجانب الآخر من العالم.

ولا يخفى على أحد أن «لعبة الكراسي الموسيقية» تلوح في الأفق، حيث آمال الجماعة وأحلامها عاودت الرفرفة، وعادت إلى الهفهفة مع فوز الحزب الديمقراطي ومرشحه الرئيس الأمريكي بايدن. وكما هو متوقع تماماً، صاح الإخوان وزاطوا حين تأتي بعد يوم من إعلان الخارجية الأمريكية أن إدارة الرئيس جو بايدن ستحجب 130 مليون دولار من المعونة العسكرية لمصر، وذلك «لحين تتخذ القاهرة خطوات محددة تتعلق بحقوق الإنسان».

إنها «الأسطوانة المشروخة» التي تعشقها الجماعة التي تفرق في دستورها بين الناس لا بحسب العقيدة والانتماء الديني فقط، بل بحسب درجة الانتماء للجماعة! وتذكرني كتابات وبحوث تصدر من على الجانب الآخر من العالم وبعضها من بؤر بعينها في منطقتنا العربية بـ«المتفرجين» على الاشتباكات اللفظية التي تنشب بين المارة أحياناً، حيث يدعو البعض إلى تأجيج الخلاف وربما الاشتباك بالضرب والركل أملاً في مشاهدة مباراة أكثر إثارة. عناوين مثل «هل حان الوقت ليتخذ بايدن موقفاً أكثر صرامة تجاه مصر؟» «متى يحقق بايدن وعوده بوضع حقوق الإنسان والديمقراطية في المقدمة: مصر وتونس نموذجاً» «الديمقراطية في تونس في خطر وتحتاج مساعدة، فهل يتدخل بايدن؟» وقائمة الدعوات لتأجيج الاحتقان وتفخيخ الأوضاع كثيرة.

على أي حال، فإن عودة الجماعة إلى حلبة السياسة في مصر فصل انتهى ولم يعد قابلاً للإضافة أو التجديد. وأظن أن هذا ينطبق كذلك على دول أخرى في المنطقة ما زالت في مرحلة حلحلة التشابكات بين الإخوان والسلطة. لكن تبقى الحاجة ماسة إلى رفع الوعي الشعبي وملء الفجوات الثقافية والاجتماعية منعاً لعودة تسلل الفئران، لا سيما تلك التي تتركها القطط السمان تمر بسلام.

* كاتبة صحافية مصرية