هناك جانب مهم أود الحديث فيه حول ثقافة المختصين في التراث الشعبي، أعني المعرفة المتعلقة بهذا المجال، وهي ثقافة واسعة النطاق متعددة الأوجه، نظراً لشمول التراث لكل جوانب الحياة في الماضي.

ومن هنا يلزم هؤلاء المختصين الباحثين في التراث الشعبي، أن يكونوا ملمين بالعديد من الموضوعات التي تدخل ضمن العلوم الإنسانية، ومن أهمها: الجغرافيا العامة، وبالأخص جغرافية حوض الخليج العربي، لأنها دراسة للبيئة الطبيعية التي احتضنت هذا التراث وتفاعل معها أبناء المنطقة وتركت بصمتها الغائرة في حياتهم الاقتصادية والاجتماعية، وتاريخ الإمارات والخليج العربي الحديث والمعاصر، نظراً للحاجة إلى وضع عناصر التراث في إطارها التاريخي.

ولا شك في أن أحداث التاريخ المحلي والإقليمي تفسر لنا كثيراً من النقاط المتعلقة بالنظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي سادت في الإمارات وبقية أقطار الخليج العربية التي تربطنا بها روابط وثيقة جداً.

ويعد الأدب الشعبي بمختلف فروعه (اللهجة المحلية - الشعر النبطي – الأمثال – الألغاز – القصص والخراريف..)، مؤشراً على الذائقة الشعبية وسجلاً للقيم والعادات والتقاليد والأعراف والتوجهات النفسية الاجتماعية لدى الشعب الإماراتـي قديماً. والفنون الشعبية (الأغاني – الموسيقى...) ومدى تأثرها بفنون الشعوب الأخرى التي كانت لها مع أبناء الإمارات علاقات اقتصادية واجتماعية وثقافية.

ولعل علم الاجتماع العام، بكونه يُعنى بدراسة المجتمعات البشرية وتفاعلاتها، فإنه يساعد على تعميق فهم الباحث للحياة الاجتماعية وتحليله للعلاقات الاجتماعية في مجتمع الإمارات قديماً، والثقافات، كما أن للمؤسسات التي شكلت حياة الإنسان الإماراتي وتاريخه، وعلم الأنثروبولوجيا الأهمية العظيمة لدى الباحثين في أصول النظم الاجتماعية.

وإذا كانت المعاهد والمؤسسات المعنية بالشأن التراثي تعطي الدارسين والمنتسبين إلى دوراتها العلمية خطوطاً عريضة من تلك المواضيع، فإن المهمة الكبرى تقع على عواتق الدارسين أنفسهم للاهتمام بتثقيف أنفسهم، والنهل من مصادر العلم والمعرفة الوفيرة.