كتبنا في عام 2014 ما هو آتٍ: يبدو أن اليمن، إذا لم يعد الحوثيون إلى رشدهم، مقبل على أيام سوداء من الصراع المسلح. إن وجود قوة مسلحة لا تتجاوز نسبة الفئة التي تمثلهما عشر في المئة، تطمح للحكم بفضل القوة، فكرة ستدخل الحوثيين في ورطة تاريخية، لن يخرجوا منها إلا بعد أن يدفع اليمن، كل اليمن، ثمناً باهظاً جداً من دماء أبنائه.
لم يكن قولنا هذا رجماً بالغيب، ولا مظهراً من مظاهر التنبؤ العبقري، وإنما رأي عقلي، يستند إلى وقائع ومنطق التاريخ.
وفي عام 2018، كتبنا في جريدة البيان، ما يبرز الحوثيين بوصفهم نشازاً تاريخياً في وطن شكل، وما زال يشكل، جزءاً مهماً من شبه الجزيرة العربية، ومصدراً سكانياً على مر العصور لبلاد الشام والعراق، وبلدان الخليج العربي، وبالتالي، فإن الحالة الطبيعية، هي أن يكون اليمن آمناً مستقراً، ذَا علاقة قوية مع محيطه الحيوي والتاريخي، محافظاً على أمن وسلامة جزيرة العرب. ولهذا قلنا بأن الحوثيين نشاز تاريخي، بوصفهم قوة غيّرت من انتمائها وثقافتها، وصارت قوة مسلحة يقوم ولاؤها، شأنها شأن حزب الله، لولاية الفقيه، وبالتالي، فإن شبكة مصالحها لم تعد مرتبطة بالمحيط العربي.
فلقد استغل الحوثيون انهيار السلطة المركزية، وراحوا عبر قوة مسلحة، وبعقل بدائي همجي، يحتلون مدناً وقرى كثيرة، وبخاصة العاصمة والميناء، اعتقاداً منهم بأن قوتهم المسلحة، وعقليتهم الهمجية، قادرة على فرض أمر واقع على نحو دائم.
منذ عقد من الزمن، وها هم الحوثيون يخطفون، يحتلون، يقتلون، يأسرون، يطردون، يستولون، يرفضون يمنعون، يسيطرون، بماذا نسمي من يفعل هذا كله؟ ما الصفة المطابقة للموصوف؟.
إذا لم تكن هذه الحركة حركة إرهابية، فماذا تكون؟
منذ سنوات، والحوثيون يطلقون صواريخهم ومسيراتهم على أهداف مدنية في السعودية، وقبل أيام، تطاولوا بالاعتداء على مناطق ومنشآت مدنية في الإمارات؟ ماذا نسمي هذا؟ إذا لم تكن هذه الحركة معادية لانتمائها العربي والخليجي، فماذا تكون؟
تأسيساً على ما سبق، فإن إدانة سلوك الحوثيين، ليست موقفاً كافياً لمواجهتهم، بل يجب النظر إليهم بوصفهم خطراً كبيراً على الحياة، ليس في اليمن فحسب، وإنما في جميع بلدان العرب.
فهذه الميليشيا الأيديولوجية الطائفية الفاشية العنفية اللاعقلية، شأنها شأن كل الميليشيات المسلحة.
الفاشية ميليشيا تنتمي إلى المقامرة، التي تزرع الخراب المادي والأخلاقي، معتدة بدعم عسكري ومادي من دولة، هي الأخرى أيديولوجية طائفية نكوصية.
فليس عند زعامات الميليشيات المقامرة وداعميها، أي وعي تاريخي عقلاني للواقع، بل لديهم جملة من الأوهام التي يعتقدون بأن القوة وسيلة لتحقيقها في الواقع. ولا شك أن أسرى الوهم المسلح، من أكبر الأخطار التي تواجه العربي هذه الأيام.
ففي الوقت الذي نسعى فيه لإنجاز التنمية المستمرة والدائمة، والتقدم المادي والمعنوي لشعوبنا، تظهر الحركات النكوصية المسلحة، لإعادة التاريخ إلى الوراء.
إن النظر إلى الحوثيين، بوصفهم خطراً، يجب أن يخلق موقفاً عربياً وعالمياً لا هوادة فيه منهم.
الميليشيا الحوثية خطر، لأنها لن تلقي السلاح الأيديولوجي الطائفي، شأنها شأن حزب الله، وبالتالي، لن تقوم دولة في اليمن، إلا بزوال ظاهرة الميليشيا المسلحة بالمدافع والصواريخ، وتجريد هذه الميليشيا من أدوات العنف وتدمير الحياة، فإنه مقدمة لتحطيم الأيديولوجيا الطائفية المفسدة للتعايش والحياة المشتركة.
ولما كان الحوثيون خطراً تاريخياً، فإن زوال هذا الخطر، لا يكون إلى بحل تاريخي، والحل التاريخي مستحيل، إلا إذا تحرر اليمن من الحوثيين. بل إن تحرير اليمن من الحوثية، هو تحرير الإسلام من الزيف الأيديولوجي.
* كاتب وأكاديمي فلسطيني