الكثير من الأيام العالمية التي يحتفي بها الكوكب، إما تفقد معناها أو تكتسب معاني جديدة في ضوء المتغيرات الكبرى التي نعيشها.

احتفاؤنا بالصحة الجسدية في عام 2022 ليس كاحتفائنا بها في ستينيات أو تسعينيات القرن الماضي.

وكذلك اللاجئين والمهاجرين والصحة النفسية والعدالة الاجتماعية والتفرقة على أساس العرق واللون والدين وحرية الصحافة والتعليم والطفولة وغيرها من موضوعات «الأيام العالمية» التي تذكرنا بالإبقاء عليها في القلب بغرض الاهتمام واتخاذ الخطوات لتحسينها وتطويرها.

كنت نويت أن أتجاهل اليوم العالمي للسعادة هذا العام. أحياناً، تدفعنا الأحداث والحوادث إلى تغيير النوايا والجداول. لوهلة بدا التطرق إلى السعادة في خضم ما يعيشه الكوكب من أجواء حرب تلقي بظلالها على كل ركن من أرجاء الكوكب وكأنه حديث يفتقد اللياقة والكياسة، لكن الأحداث والحوادث الجسام نفسها دفعتني إلى الطريق المعاكس. فنحن في أمس الحاجة إلى مزيد من البحث عن السعادة، وربما إعادة تعريفها وعقد العزم على قدر أكبر من بذل الجهود في سبيلها.

وبعيداً عن كلاسيكية التطرق حيث السعادة نسبية، ومواصفاتها تتغير بتغير السن، وأن الرضا (غالباً بالقليل والشحيح) مفتاحها الفعلي (وفي الأغلب الوحيد)، أو تقليدية قياس السعادة بحسب استطلاع «غالوب» العالمي بناء على القياسات الثلاثة: تقييمات الحياة، والعواطف الإيجابية، والعواطف السلبية، فإن أوضاع البشرية الحالية تستوجب طرحاً جديداً للسعادة، ولو كان على مستوى الأفراد.

مليارات الأفراد وجدوا أنفسهم طيلة عامين من عمر الوباء يعيدون تعريف مفهوم السعادة في حياتهم. تعدت عمليات إعادة التعريف مجرد النزول بسقف الطموحات والآمال. ووصل الحال ببعض إلى أن سعادتهم تكمن في البقاء على قيد الحياة وحولهم أكبر عدد ممكن من أحبابهم. لكن لحسن الحظ أن الأحداث الجسام والأزمات الكبرى لا تستمر للأبد.

فما إن بدأ العالم يخرج تدريجياً من ثقل الوباء الذي لا يقتصر على خطر الإصابة بالفيروس فقط، لكنه يمتد إلى الآثار الاقتصادية الممتدة والنفسية التي ما زال كثيرون عاجزين عن التعامل معها، حتى استيقظ ذات صباح على وقع الأزمة الأوكرانية.

الحرب، التي يعتقد البعض أن رحاها تدور في بلاد بعيدة، وأن علينا التركيز على ما يدور عندنا وبيننا، تدفعنا رغماً عنا إلى التأثر بها.

فبين ارتفاع أسعار وشبح شح سلع غذائية أساسية وأسعار نفط وذهب متأرجحة وتباطؤ النمو وزيادة سرعة التضخم في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى تفاوت المعاناة بحسب قدرات الدول وإمكاناتها، يجد الجميع أنفسهم في حاجة ماسة إلى تحديث مفاهيم عدة أبرزها السعادة والرفاهية والتوقعات.

الأحداث الجسام مقلقة ومحبطة بكل تأكيد، لا سيما حين تكون مستمرة ولا مجال للتنبؤ بمستقبلها وآثارها الممتدة، لكنها تكون كذلك فرصة ذهبية - وإن كانت إجبارية - لتجديد دماء الفكر وتحديث مفاهيمنا الحياتية التي تدفعنا للاستمرار بأفضل صورة ممكنة.

صور السعادة كثيرة. وإذا كانت قيادات وحكومات الدول ملزمة بتحقيق وتوفير العوامل والظروف التي تعظم من سعادة المواطنين، فإن المواطنين أنفسهم يضعون مفاهيمهم الشخصية لها. هذه المفاهيم تدفعهم لتعديل مساراتهم الشخصية والأسرية، ربما دون وعي أو إدراك بأنهم يعيدون تشكيل سعادتهم.

سعادة الدول حالياً تكمن في السعي لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية في ضوء النظام الجديد الجاري تشكيله، شاء البعض الاعتراف بذلك أو أبى.

الدول المتحجرة والمتشبثة بمفاهيم خيالية باتت حكراً على كتب التاريخ ومتاحف الآثار سيدفعها جمودها نحو هاوية سحيقة، ولن يجديها نفعاً تمسكها بما أثبتت عقود طويلة مضت أنه وهم وخيال.

شخص يعشق فكرة السباحة، وأمضى سنوات طويلة يقرأ عن أهمية السباحة وفوائدها. وجد نفسه ذات صباح مضطراً للعبور إلى الضفة المقابلة، لكنه لم يسبح يوماً. نصحه الأصدقاء بالعبور على ظهر مركب، لكنه يصر على العبور سباحة.

أغلب الظن أنه سيلقى حتفه غرقاً وسيذكر في تأبينه أنه عاش عاشقاً للسباحة ومات شهيد الجهل بها.

ألف باء السعادة في ظل الأوضاع الحالية هي النجاة. ولو توافرت في النجاة بضع إضافات، حيث أفكار خارج الصندوق لتقوية أواصر الاقتصاد المحلي والاكتفاء الذاتي والحفاظ على علاقات متوازنة وليست بالضرورة أخوية مع الأقطاب والكبار فإن السعادة تكون مضاعفة.

وبينما الأشخاص في كل أرجاء المعمورة يعيدون حسابات سعادتهم ومن يحبون، فإن الحكماء منهم لن يهدروا جهداً أو وقتاً في وضع مزيد من الضغوط على حكوماتهم - على الأقل في الوقت الراهن - بالمطالبة بشطحات خيالية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية.

وسيدرك الباحثون عن السعادة أنه في اللحظات المصيرية والصعبة، لا تتوارى السعادة أو تتخذ مكانة متأخرة، بل العكس هو الصحيح. فقط تخضع لعمليات ترميم وإعادة هيكلة إلى أن يستقر الكوكب على حال.

*كاتبة صحافية مصرية