المنطقي والطبيعي أن تكون دولة مثل السودان الشقيق هي سلة غذاء الوطن العربي بأكمله، لكن غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حولها إلى دولة غير قادرة حتى على سد احتياجاتها الأساسية.

مصر تستورد 80 % من قمحها من روسيا وأوكرانيا، ولم تشعر بخطورة ذلك، إلا حينما نشبت الحرب بين البلدين، وزادت أسعار القمح وبقية الحبوب والزيوت، إضافة إلى تكاليف نقلها وشحنها والتأمين عليها وهو الأمر الذي واجه العديد من الدول العربية المستوردة للغذاء.

لو كانت السودان تزرع أرضها الصالحة والمهيأة للزراعة، ما شعرت مصر أو أي دولة عربية بالأزمة التي نشعر بها الآن. وهي كيفية تأمين احتياجاتها من القمح وبقية الحبوب.

لكي تزرع فأنت تحتاج أولاً أرضاً صالحة للزراعة والأهم مياهاً عذبة، ومن حسن حظ السودان أن الله وهبه الأرض والمياه، حيث إن مساحة الأرض الصالحة للزراعة لديه نحو 169 مليون هكتار أو ما يساوى 41.8 مليون فدان منها نحو 5 ملايين فدان من الأرض المروية خاصة على ضفاف النيل.

السودان يزرع الذرة والقطن والسمسم وقصب السكر والبن والتبغ واللوبيا، وكلها تزرع بري الأمطار والأنهار، كما أن السودان يحتل المرتبة الـ15 في إنتاج القمح عالمياً. والمرتبة الأولى في إنتاج لحم الإبل والثانية في قصب السكر والثالث في ألبان الأبقار الطازجة والرابع في الذرة البيضاء والخامس في البصل المجفف والسادس في الفول السودانى والـ11 في الطماطم والـ14 في التمور والـ16 في لحوم الضان والـ17 في لحوم الأبقار المحلية والثالث في السمسم.

تربة السودان متنوعة، فهو يملك التربة الطينية في أواسط وشرق البلاد، وتربة رملية في الإقليم الصحراوي وشبه الصحراوي في شمال وغرب البلاد، وهناك ملايين الأفدنة التي يمكن زراعتها بتكاليف قليلة، والتقدير أن الأرض الصالحة للزراعة في السودان تصل إلى 200 مليون فدان المستغل منها حالياً لا يزيد على %15 أي نحو 30 مليون فدان.

أما المياه فإن السودان يحصل رسمياً على 18.5 مليون فدان، إضافة إلى مياه الأمطار التي يسقط عليه وتقدر بإجمالي 1093 مليار متر مكعب سنوياً وهي أكبر كمية أمطار في دول حوض النيل تليها إثيوبيا بـ 936 مليار متر مكعب.

وخلافاً لمصر ذات 100 مليون نسمة ولا تحصل إلا على 55 مليار متر مكعب من مياه النيل سنوياً، فلا يسقط عليها إلا أقل من 2 مليار متر مكعب من مياه الأمطار وبصورة غير منتظمة.

طبقاً لهذه الأرقام والبيانات فإن السودان يفترض أن يصبح سلة غذاء العالم وليس فقط الوطن العربي، عبر استغلال هذه الثروات الطبيعية الضخمة.

هذه المشكلة ليست مسؤولية الحكومة السودانية الحالية، بل هي مشكلة متراكمة منذ عقود طويلة وتتعلق بمشاكل جذرية وليست طارئة.

السودان وغالبية بلدان أفريقيا تعاني مشكلات وأزمات تصل أحياناً إلى الخلاف على الهوية.

ولا تزال معظم بلدان القارة تتصارع على أسس قبلية وجهوية وطائفية ودينية، وهو أمر تراه وتلمسه في أكثر من دولة خصوصاً إثيوبيا قبل شهور قليلة، وفي السودان هناك صراع سياسي شديد نتيجة تعاقب الأنظمة المستبدة والفاسدة وسوء الإدارات التي أدت إلى انسلاخ جنوب السودان في دولة مستقلة، هي أيضاً تعاني بدورها من حرب أهلية وأزمات رغم أنها تتمتع بخبرات وموارد طبيعية كثيرة أهمها الأمطار الكثيرة والأرض الصالحة للزراعة.

هناك مثل آخر وهو ليبيا الشقيقة رزقها الله بثروة بترولية ضخمة، ونوعية من البترول من الدرجة الأولى، ورغم ذلك فإن الاستبداد والميليشياوية والجهوية والتدخل الأجنبي جعلها في حال صعبة جداً، ندعو الله أن يخرجها منها على خير وفي أقرب وقت.

نتمنى أن يتمكن السودان من تجاوز مشاكله السياسية والمناطقية وانقساماته الكثيرة حتى يتمكن من زراعة هذه المساحات الضخمة التي لا تحتاج إلى جهد كبير، لكنها تحتاج في المقام الأول إلى كفاءات فنية واستغلال التكنولوجيا الحديثة، وأن تتقدم الحكومات والشركات العربية إلى الاستثمار الجاد في هذه الثروة البشرية الطبيعية، لو حدث ذلك لتحول السودان إلى سلة غذاء الوطن العربي فعلاً وليس مجرد عبارة نرددها في الكتب المدرسية والمقالات الصحفية.

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية