بمشاعر يعتصرها الحزن، وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، ودعنا فقيد الوطن الغالي والدنا المغفور له بإذن الله الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «طيب الله ثراه»، نسأل الله تعالى أن يرحمه رحمة واسعة، وأن يرفع درجته في عليين، ويلهمنا الصبر والاحتساب على هذا المصاب الجلل، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ونقول: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا والدنا لمحزونون.

لم يكن فقيد الوطن، رحمه الله، مجرد قائد عظيم وحاكم جليل فقط، بل كان أيضاً أباً رحيماً لشعبه، باراً بهم، حانياً عليهم، حريصاً على إسعادهم بكل السبل، ساعياً لتوفير أجمل حياة لهم، كأحسن ما يفعله الأب الحاني مع أبنائه، عطفاً وحناناً ورحمة، فليس من العجب أن تمتلئ القلوب بحبه، وتلهج الألسنة بالدعاء له، وتعتصر الأفئدة لفقده وفراقه، بعد أن أضاء حياتهم نوراً وبهجة وسعادة وعطاء.

لقد ترجل فقيد الوطن، أجزل الله مثوبته ورفع درجته، بعد مسيرة حافلة زاخرة بالعطاء والتفاني من أجل وطنه وشعبه، مسيرة ملموسة ذقنا حلاوتها، ولا نزال نذوقها، إنجازاً وإسعاداً ونهضة في كل المجالات، وما ننعم به اليوم من رخاء وازدهار وأمن واستقرار في سائر أرجاء الإمارات ما هو، بعد الله تعالى، إلا ثمرة من ثمار جهده وتفانيه، فقد كان خير خلف لخير سلف، تخرج في مدرسة زايد الخير والعطاء، وتحلى بقيمه ومبادئه، وسار على نهجه في البناء والريادة وإسعاد كل من يعيش على أرض هذا الوطن.

لقد حققت دولة الإمارات في عهد الفقيد، رحمه الله، نقلات نوعية في شتى النواحي، فقد كان حريصاً على استدامة مسيرة التنمية والازدهار والنهضة، واستكمال ما بدأه مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، من المسيرة النهضوية المشرقة، وأولى ذلك كامل العناية والرعاية، وعمل من أجل وطنه ليل نهار، حتى حققت دولة الإمارات في عهده الإنجازات الريادية على كافة المستويات، السياسية والاقتصادية والإنسانية وغيرها، حتى عانق علمها الفضاء، رفعة وازدهاراً، وحققت المراكز الأولى عالمياً في الكثير والكثير من المجالات، في سجل حافل خالد ممتد.

إن حب فقيد الوطن لم يقتصر على شعب الإمارات ولا المقيمين على أرضه فقط، بل امتد إلى كل بقاع الأرض، أحبه القاصي والداني، أحبه القادة وأحبته الشعوب، لأنه رجل الإنسانية والعطاء بجدارة، صاحب الأيادي البيضاء العامرة المعطاءة، والحكمة الزاخرة، ورجل المواقف والشدائد، صاحب المعدن الأصيل، الذي وقف إلى جوار الشقيق والصديق في النائبات، صاحب الكرم والسخاء والعطف، الذي مد يده لكل محتاج أينما كان، حتى أحبه الجميع، وانهالت رسائل التعزية بفقده والحزن على فراقه من كل البقاع والأصقاع، وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: «إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل: إن الله قد أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض»، وإننا لنرجو أن يشمل هذا الحديث والدنا الفقيد رحمه الله، وإننا لنشهد الله على حبه وعلى ما قدمه لنا من حب وعطف وعطاء بلا حدود.

وإذا تحدثنا عن صفات فقيد الوطن فلا يتسع مقال، بل ولا مجلدات لسردها، فهو مدرسة عظيمة قل لها نظير في التاريخ، وفارس للإنسانية بكل ما في الكلمة من معنى، في حكمته وتواضعه ورحمته وقلبه الكبير وعطائه وتفانيه وإخلاصه وعمله الدؤوب في خدمة وطنه وإسعاد شعبه، فسيرته سيرة فخر وعز ومجد تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل، وتغرف منها القيم الأصيلة والأخلاق الفاضلة النبيلة والعطاء المتدفق، وتتعلم منها الدروس لحاضرها ومستقبلها.

إن اللسان حقاً ليعجز عن أن ينطق، وإن القلم ليحار كيف يعبر عن هذا المصاب الجلل، وعزاؤنا أن الله تعالى اختار فقيد الوطن إلى جواره، وهو بيننا بسيرته العطرة وإنجازاته الخالدة ومحبته العامرة.

رحمك الله يا فقيد الوطن رحمة واسعة، وجزاك عن شعبك وأمتك والإنسانية جمعاء خير الجزاء، وأعلى درجتك في جنات الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وإنا لله وإنا إليه راجعون.