لا يزال الوضع السياسي في السودان يشوبه التعقيد في غياب أي مبادرات لإعادة الثقة بين السلطة والطبقة السياسية، ما جعل الوضع يدور في حلقة مفرغة، ولا سيما أن الحوارات لم تخاطب جذور الأزمة السودانية ما جعل خيارات التعاطي مع هذا الوضع محدودة.

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تسوية سياسية للوضع القائم ولكن أي تسوية سياسية لا تستوعب الشارع السوداني مصيرها الفشل إذ إن جل المفاوضات لا تتحدث عن الآليات والوسائل والأدوات التي ستحقق تلك الأهداف المطلقة من الشعوب، كما أن معظم الأحزاب السياسية تستقي من أفكار واحدة، ولكنها تختلف في كيفية تنفيذها مع تسجيل انقسام بين قوى تقبل الحوار مع مجلس السيادة، وقوى وأحزاب أخرى ترفض الحوار، والسير في الطريق نفسه الذي سارت عليه البلاد سابقاً وهو تضييع الفرص.

ولا شك في أن فشل النخبة السياسية في بلورة مشروع وطني نتيجة تمترس في المواقف والبطء غير المسبوق لتهيئة المناخ لحوار شفاف، وضعا هذا البلد أمام مستقبل مجهول ومخيف في الوقت ذاته، إذ أبقى السودان في دوامة الصراعات الداخلية، كما أن استمرار الوضع على ما هو عليه من دون أي انفراج مقامرة غير محسوبة العواقب قد تأتي بعواقب وخيمة، ولا سيما أن الظروف الداخلية والخارجية تحالفت وجعلت هذا البلد يئن من الأزمات علماً أن كل الأطراف في الساحة السودانية شركاء في المسؤولية عن الإخفاقات الراهنة.

وغني عن القول إن أي دولة لن تنجح في تجاوز الأزمات الكبرى والأخطار العظيمة إلا إذا توحدت إرادة الكل لاختيار الحل الأصلح والممكن عملياً ولذلك فلا يمكن إحداث أي تغيير جوهري في السودان إلا بتغليب لغة العقل على العواطف والوصول إلى عقد اجتماعي يوحد السودان بصيغ يقبلها الجميع، وأن يمتلك الحوار الضمانات لتوفير الاستقرار السياسي والابتعاد عن التسويات الهشة التي أعادت إنتاج الأزمات والعمل على ترسيخ قيم التعايش والوئام الاجتماعي الوطني، فمن دون تنازلات وتغليب مصلحة البلاد من الأطراف كافة فإن أي مبادرة لن يكتب لها النجاح.