لو جمعت مئة شخص بطريقة عشوائية من جميع البلدان والقارات ستجد أن من بينهم القلة ممن حباهم الله بمزايا شخصية فريدة. وهذا الأمر ينطبق على جميع الكائنات الحية بما فيها البشر. وهذا مصداقاً للحديث النبوي الجميل «إنَّما النَّاسُ كالإِبِلِ المِائَةِ، لا تَكادُ تَجِدُ فيها راحِلَةً».
والإبل هي سفينة الصحراء الشهيرة في قدراتها المعروفة، أما «الراحلة» فهي مرتبة أعلى من القدرات، ذلك أنها الجمل النجيب الذي يتحمل مشقة الأسفار ويتمتع بشكل فريد أحياناً وبتصرفات وقدرات في الدفاع عن نفسه وعن الآخرين. كلما قرأت هذا الحديث تذكرت القدرات القيادية الفطرية التي نجدها في بعض الناس، تبدأ منذ نعومة أظفارهم.
وتظهر بواكير قدراتنا القيادية عندما نجد أنفسنا ننظم فريق كرة القدم أو نشاطاً مدرسياً ونجد من حولنا يستمعون إلى توجيهاتنا العفوية ويستجيبون لها، هنا تتجلى مهاراتنا الفطرية تجاه من حولنا. ولحسن الحظ يستطيع الإنسان اكتساب المزيد من المهارات القيادية التي لم يفطر عليها بمزيد من الدورات والتأهيل والممارسة.
ولولا إمكانية الاكتساب لما وُجِدت لنا برامج تأهيل القيادات في شتى جامعات العالم المرموقة. وبصفتي مختصاً في التأهيل القيادي رأيت كيف تطور عشرات المسؤولين عبر برامج تدريبية تطبيقية وعملية كنا نقدمها لهم وللصف الثاني.
ما يهمني في هذا الحديث جوانب عدة يرمي إليها، منها أن الناس متساوون في خلقهم إلى حد كبير. وهذه بشرى سارة بحد ذاتها، كما أن هذا لا يعني أن يكون هناك بالضرورة تطابق بين البشر في قدراتهم. فهناك طفرات ربما أشبه بفكرة الطفرة الجينية.
وهذا الأمر ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار عند اختيار فريق عمل أو توظيف الموظفين. فلا يعقل أن أضع النوابغ أو الموهوبين في مكان واحد، في حين كان أمامي خيار آخر، وهو توزيعهم على أكثر من جهة أو فريق أو إدارة أو المؤسسة، حتى يستفيد الناس من تلك المواهب.
مع الأسف الشديد فإن كثيراً من المواهب مدفونة لا تظهرها لنا السيرة الذاتية بل تتجلى بمزيد من الاحتكاك. ولو تأملنا علاقاتنا نجد أفضل من عرفنا أولئك الذين رأيناهم عن قرب رائعين في أخلاقهم ومقدراتهم في ميادين العمل. فما أكثر السير الذاتية لكنها لا تعكس عُشر قدرات الفرد على إظهار ما جاء في شهاداتها النظرية.
ونستفيد من هذا الحديث أن هناك من يستطيع أن يتحمل ضغوطات الحياة والعمل والأسفار والمهمات الشاقة، في حين لا يمتلك آخرون شيئاً من ذلك. ونرى ذلك فور ما تحدث المواجهة، حيث يهرب هؤلاء من أرض معركة، ليس لسبب سوى أن بعضهم لا يمتلك مقومات الصمود في الميدان.
خلاصة القول إن البشر خلقوا مختلفين ليكمل بعضهم بعضاً.