مع تزايد احتمالات استمرار التضخم العالمي المرتفع لبعض الوقت، تلوح في الأفق سيناريوهات لارتفاع أسعار الصرف. وبدلاً من أن تتسابق الدول في تخفيض عملاتها لزيادة صادراتها، هناك سعي لرفع قيمة العملات لتخفيض تكلفة الواردات ومحاربة التضخم، ما يفضي في النهاية إلى ما يطلق عليه حرب العملات.
إن انخفاض عملة الدولة مقارنة بالعملات الأخرى يساعد على أن تصبح صادراتها أرخص مقارنة بالمنافسين، وبالتالي يزيد الطلب عليها يعزز الطلب من الخارج. في الوقت نفسه، ترتفع كلفة الواردات، ما يمكن أن يحفز الاستهلاك المحلي ويوجهه نحو المنتجات والخدمات المحلية. ويعني الأمران تقديم الكثير من الدعم والمساندة للمنتجين المحليين.
وبسبب حرب العملات، اشتكت الولايات المتحدة ودول صناعية أخرى من أن الصين كانت تخفض قيمة عملتها اليوان لزيادة الصادرات. في المقابل، ظهر مفهوم حرب العملات العكسية، وفيه تلجأ الدولة إلى رفع قيمة العملة وجعلها أقوى بهدف ترويض التضخم بدلاً من تعزيز النمو، لأن العملة الأقوى تعني أن الواردات ستكون أرخص نسبياً.
وإذا ما تتبعنا أسعار الصرف خلال الأشهر الستة الأولى للعام الحالي، نلاحظ ارتفاع مقياس بلومبيرج لقوة الدولار بما يقارب 7 % أمام باقي العملات العالمية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل فعلاً العملة الأقوى تحد من التضخم؟
قوة العملة تؤثر، بالفعل، على التضخم لكن بنسب متفاوتة، اعتماداً على الظروف. الدرجة التي تؤثر بها تغيرات أسعار الصرف على معدل التضخم، تعرف بمعدل المرور أو التمرير (Pass-through rate). ويشير خبراء مثل ناثان شيتس، كبير الاقتصاديين في سيتي جروب، إلى أنه عندما يكون التضخم ضعيفا، يتوقع أن تؤدي الزيادة بنسبة 10% في قيمة الدولار إلى تخفيض التضخم بنسبة نصف نقطة مئوية فقط لكن في ظل الوتيرة الحالية للتضخم، يمكن أن يسهم معدل المرور إلى خفض التضخم بنسبة قد تقترب من نقطة مئوية كاملة.
والتساؤل الأخير هنا، ماذا عن الرابحين والخاسرين؟ إن المستهلكين بالبلدان التي نجحت في رفع عملاتها هم الرابحون الواضحون في حرب العملات العكسية، وذلك بسبب القوة الشرائية الأكبر وانخفاض الأسعار المحلية، لكن في المقابل، هناك الكثير من الخاسرين. القائمة تضم المصدرين الأمريكيين، والدول التي تعتمد على الصادرات، وكذلك الاقتصادات الناشئة، فالدولار الأقوى يقلل قيمة الإيرادات الأجنبية. كما أن المنتجات تصبح أقل قدرة على المنافسة مع ارتفاع الأسعار بالعملة المحلية، مما يقلل الطلب.
وبالنسبة للاقتصادات النامية، هناك خطر من أن «عدم تطابق العملة» currency mismatch، وهو ما يحدث عندما يكون لدى الحكومات أو الشركات أو المؤسسات المالية ديون بالدولار الأمريكي، بالتالي فإن تحويل العملة المحلية سيكلف أكثر بالدولار الأمريكي، ويؤدي إلى مخاطر مالية لا تحمد عقباها.