وقّعت دولة الإمارات وجمهورية إندونيسيا اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة، من شأنها زيادة حجم التجارة البينية إلى 10 مليارات دولار سنوياً في غضون 5 أعوام. وتُدشن اتفاقية الشراكة بين البلدين الممر التجاري الجنوبي-الجنوبي، وتسهم في بناء مستقبل أكثر إشراقاً للاقتصاد الآسيوي، وهي ثالث اتفاقية من نوعها توقّعها الدولة بعد الهند وإسرائيل، لكنها أول اتفاقية تُبشر بإطلاق العنان للإمكانات الكامنة للاقتصاد الإسلامي، حيث تُعد إندونيسيا واحدة من أكبر أسواق العالم في ما يتعلق بمنتجات وخدمات الحلال.
كذلك، فإن إندونيسيا هي رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وأكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا. ومع ضم هذه الاتفاقية إلى اتفاقية الشراكة مع الهند، ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، ويمثل المسلمون شريحة مهمة منهم، إلى جانب تركيا، التي أحرزنا معها تقدماً كبيراً، ومن المنتظر التوقيع خلال الفترة المقبلة، فستكون أمامنا سوق مفتوحة تعدادها أكثر من 1.7 مليار مستهلك، أي أكثر من خمس سكان العالم. وتلك الدول تتمتع بنمو سكاني قوي، خاصة على صعيد الطبقة الوسطى، وهو ما يخلق كماً هائلاً من الفرص التجارية والاستثمارية، ولا سيما على صعيد الأنشطة والمجالات المرتبطة بالاقتصاد الإسلامي والمنتجات الحلال التي تشهد طلباً متزايداً في تلك الأسواق.
ويمثل الاقتصاد الإسلامي اليوم أحد أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، ومن المتوقع أن تصل قيمته إلى 3.2 تريليونات دولار بحلول 2024. ويرجع ذلك إلى النمو المتزايد لعدد السكان المسلمين، الذين يُقدر أن تصل نسبتهم إلى ما يقرب من 30% من سكان العالم بحلول منتصف القرن الحالي، أي ما يعادل 2.6 مليار نسمة، وبطبيعة الحال فإن النمو المتسارع لهذا السوق الاستهلاكي الواعد يُقابله زيادة في حدة المنافسة على توفير السلع والخدمات المرتبطة به.
وباعتبار أن الإمارات وإندونيسيا من الدول الإسلامية، وتتمتعان بتاريخ تجاري قوي مبني على مفترق طرق تجارية إقليمية، فإن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة هذه تعكس مصالحنا وقيمنا وطموحاتنا المشتركة، وستُحقق ميزة تنافسية للبلدين بالقطاعات الحالية والمستقبلية للاقتصاد الإسلامي، وذلك من خلال تسهيل الاستثمار والتمويل والتجارة في السلع والخدمات التي تسهم في تطوير هذا الاقتصاد الواعد.
لقد جاءت الإمارات في المرتبة الأولى كأكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر على صعيد العالم الإسلامي خلال العام الماضي، حيث سجلت الدولة أعلى نسبة في حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إليها، وهو ما يترجم المكانة التي تتمتع بها بوصفها وجهة عالمية آمنة ومستقرة وجاذبة للأعمال وتحظى بثقة المستثمرين. كما أن توافر بنية تحتية عالمية المستوى بالدولة وشبكة علاقات تجارية نشطة مع مختلف أسواق العالم عن طريق البر والبحر والجو، يجعل من الإمارات بوابة مثالية لوصول السلع والبضائع الإندونيسية إلى ملايين المستهلكين الجدد. وبالمقابل فإن المصدرين بالدولة سيستفيدون من إزالة قيود سلاسل التوريد وإنشاء شبكات جديدة لتدفق الخدمات والمنتجات الحلال إلى السوق الآسيوي بدءاً من الخدمات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية وصولاً إلى الأغذية والملابس وغيرها من الفرص غير المسبوقة في هذا الاقتصاد سريع النمو.
وهذه الفرص كانت سبباً ضمن أسباب أخرى عديدة جمعتنا في جاكرتا العام الماضي لبدء محادثات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين، والتي تكللت بالنجاح مع توقيع الاتفاقية الأسبوع الماضي بأبوظبي، بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وجوكو ويدودو رئيس جمهورية إندونيسيا.
إن هذه الاتفاقية ترتكز على أساس قوي من التعاون الاقتصادي، وقد سجلت التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين زيادة تصل إلى 44 في المئة خلال الربع الأول من العام الجاري، ومن المرجح أن تسجل أرقام التجارة البينية بنهاية العام 2022 معدلات نمو تفوق أرقام ما قبل الجائحة العالمية.
وعلى صعيد الاستثمارات، فإن الأرقام الحالية تُشير إلى استثمار إندونيسيا أكثر من 10 ملايين دولار في دولة الإمارات حتى نهاية 2019، فيما بلغت الاستثمارات الإماراتية في إندونيسيا ما يصل إلى 176 مليون دولار. وهذه الأرقام ستشهد قفزة نوعية خلال المرحلة المقبلة في ضوء تعهد الإمارات باستثمار 10 مليارات دولار في هيئة الاستثمار الإندونيسية الجديدة، حيث ستعمل هذه الاتفاقية على تسريع هذه المشاريع في القطاعات ذات الأولوية، مثل الزراعة والطاقة والبنية التحتية والخدمات اللوجستية، كما ستشجع التعاون المستقبلي في السياحة وريادة الأعمال والرعاية الصحية والتكنولوجيا النظيفة والمتجددة.
وبينما تواصل الإمارات بناء اقتصاد رقمي طموح من خلال تطوير المدن الذكية واعتماد البلوك تشين وطرح خدمات الجيل الخامس والتركيز بشكل أكبر على تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، يمكننا العمل مع إندونيسيا على تحقيق تقدم تكنولوجي سريع. وستستفيد صناعات التخزين والخدمات اللوجستية فيها على وجه الخصوص من الخدمات الرقمية التي يمكن لشركاتنا تقديمها. ويمكن أيضاً تحقيق مكاسب في الأتمتة والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والطباعة ثلاثية الأبعاد.
إن توقيع الاتفاقية هو بداية لمرحلة جديدة من التعاون، وسوف نعمل على سرعة تنفيذها، ونأمل قبل الاجتماع المقبل الذي سيجمع قادة البلدين في نوفمبر خلال القمة السابعة عشرة لمجموعة العشرين في بالي، أن تكون هذه الاتفاقية قد دخلت موضع التنفيذ. وسنواصل حوارنا مع القطاع الخاص لتحفيزهم على الاستفادة من المزايا التي تقدمها هذه الاتفاقية، ومثلما فعلنا في اتفاقيتي الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وكل من الهند وإسرائيل، فإن جهودنا لن تتوقف، وسنواصل العمل لتعزيز مكانة دولة الإمارات بوصفها بوابة عالمية للسلع والخدمات، وجسراً يربط بين أفريقيا وآسيا وأوروبا ويدفع عجلة النمو الاقتصادي والعمل على توظيف الجيل التالي من التكنولوجيا الرقمية لخلق فرص نمو جديدة.
إن فتح الممر التجاري الجنوبي-الجنوبي، وبناء طريق تجاري جديد باستخدام التكنولوجيا الرقمية، سيسهل على المستوردين والمصدرين الإماراتيين ممارسة الأعمال التجارية مع أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، بالتزامن مع استمرار جهود التعافي والانتقال إلى الخطوة التالية من النمو العالمي.
* وزير الاقتصاد