وُلد هارولد صموئيل في شمال لندن في عام 1912، وتلقّى التدريب في الأصل ليكون مساحاً قبل أن يصبح وكيلاً عقارياً ثم يستحوذ في نهاية المطاف على صندوق استثمار الضمانات العقارية في عام 1944. وغالباً ما يُنسب إليه الفضل في صياغة تريكولون العقارات «الموقع، الموقع، الموقع»، وقد ساعدته نظرته الثاقبة في اكتشاف الفرص في المدن البريطانية في فترة ما بعد الحرب على التوسع من ثلاثة عقارات متواضعة فقط في بداية حياته المهنية إلى واحدة من أكبر شركات بورصة لندن، وربما قد لا يكون هو أول شخص يؤكد على أهمية الموقع، إلا أنه بالتأكيد لم يكن الأخير.

 

على عكس المدن القائمة أصلاً في أوروبا والتي تطورت ببطء على مدى قرون من الزمن، فإن تحديد ما يمكن أن يشكّل موقعاً استراتيجياً في الاقتصادات الناشئة مثل الشرق الأوسط وآسيا يتطلب الكثير من المخاطر المحسوبة، وبالتأكيد لم تكن دبي استثناءً من ذلك. مع توسعها غرباً من الخور، لم يتركّز نمو الإمارة حول منطقة مركزية واحدة فقط، بل كانت هناك العديد من المناطق قيد الإنشاء أو مخصصة للتطوير في المستقبل، حتى بحلول الوقت الذي افتتح فيه تشاك بيري مقهى «هارد روك» في شارع الشيخ زايد في ديسمبر 1997، فيما بات يشكّل حالياً مخرج مدينة دبي للإعلام، كانت مناطق مثل مارينا وجميرا بيتش ريزيدنس وأبراج بحيرات جميرا، لا تزال مهجورة وكان الكثيرون يعتبرونها مجرد مكان على الطريق المؤدي إلى أبو ظبي، كجزء أساسي من دبي.

 

بعد خمس سنوات فقط، تم تأسيس مركز دبي للسلع المتعددة ليقوم بمهمتين - جذب وتمكين وتعزيز التجارة عبر الإمارة، والقيام بواجباته كمطور رئيسي لمجتمع أبراج بحيرات جميرا. خلال مرحلة التخطيط الرئيسي للمجتمع، كان على فريق العمل لدينا التفكير ملياً في كيفية تطوير الموقع الذي تبلغ مساحته 180 هكتاراً، وكيف سيجتذب السكان والشركات ليشغلوا 87 برجاً كان مخططاً أن يتم تشييدها، مع دمج مبادئ التصميم الستة للمجتمعات المترابطة، والنقل والحركة، والأصول والمعالم، والمدينة المدمجة الذكية والمتصلة، والاستدامة وطرق المشاة.

 

تم تقسيم المنطقة إلى 26 تجمعاً، يضم كل واحد منها تقريباً ثلاثة أبراج، وبدأ البناء بعد فترة وجيزة من التأسيس حيث أصبح برج سابا أول برج يتم إنجاز بنائه في ديسمبر 2006. ومنذ المراحل الأولى، كان من الواضح لكل من مركز دبي للسلع المتعددة وقيادتنا الوطنية أن ترسيخ المجتمع فيما هو أكبر من مجرد عقارات سيكون أمراً حاسماً لضمان نجاحه على المدى الطويل.

 

في عام 2005، ساعد ائتلاف من ستاندرد ودويتشه وبنك دبي الإسلامي في إطلاق صكوك ذهبية رائدة جمعت 200 مليون دولار، تم استخدام عائداتها لتمويل إنشاء الأبراج التجارية الأولى في المجتمع، وهي الذهب والفضة والماس. وعلى الرغم من إنجاز بناء الأبراج في عام 2008 وسط ركود عالمي، إلا أن مركز دبي للسلع المتعددة حرص على أن يكون مجتمعه مجهزاً في ذلك الوقت بالبنية التحتية اللازمة لاستضافة الشركات والبورصات، ووضع أساس لما سيأتي لاحقاً، بما في ذلك خزنة محصنة مصممة بالتنسيق مع شركة برينكس مؤمن عليها لحيازة أكثر من مليار دولار من الأصول. ومن الجدير بالذكر أنه من خلال جمع الأموال لتطوير مشروعه، يظل مركز دبي للسلع المتعددة فريداً بين أقرانه ككيان مستقل قام بتطوير نفسه معتمداً على قدراته وإمكاناته الذاتية من أجل تحقيق رؤيته التي لا مساومة عليها، ويعد هذا واحداً من عدة أسباب جعلته أول كيان حكومي في دبي يحصل على تصنيف تفاعلي بالكامل من ستاندرد آند بور لخدمات التصنيف، والثاني في دولة الإمارات العربية المتحدة بعد جهاز أبو ظبي للاستثمار. 

 

مع ترسيخ وجود بورصة دبي للذهب والسلع وبورصة دبي للماس بقوة كبورصات رئيسية، تحوّل دور مركز دبي للسلع المتعددة كمطور رئيسي من توفير البنية التحتية الأساسية نحو جعل أبراج بحيرات جميرا مجتمعاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ودعماً لإمكانية الوصول إلى المنطقة بشكل أفضل وتمييزها، تم افتتاح محطة مترو مركز دبي للسلع المتعددة رسمياً في 1 سبتمبر 2018، مما يتيح نقلاً سريعاً وموثوقاً وبأسعار معقولة لكل من المسافرين والزوار، مع توفير طريق للمشاة نحو دبي مارينا وجميرا بيتش ريزيدنس وصولاً إلى الشاطئ.

 

ومن خلال الاستماع إلى ملاحظات المجتمع، اتخذ مركز دبي للسلع المتعددة قراراً بتحويل إحدى بحيراته إلى حديقة مركزية، مما خلق مساحة خضراء كبيرة تبلغ 55000 متر مربع، بالإضافة إلى حديقة للكلاب في أبراج بحيرات جميرا، أحد الأماكن القليلة المخصصة في المدينة لتقديم خدمات لأفضل صديق للإنسان.

 

في إطار جهوده لدعم الترويج لنمط حياة أكثر صحة، وفّر مركز دبي للسلع المتعددة أيضاً العديد من المرافق الخارجية المجانية، بما في ذلك ملعب كرة السلة، الذي افتتح وأطلق عليه اسم الأسطورة الراحل كوبي براينت، بينما شجع في نفس الوقت على إنشاء مراكز اللياقة البدنية والتجميل في مختلف المجمعات في المنطقة، والتي وصل عددها اليوم إلى 324. وبروح تشجيع رواد الأعمال على الاهتمام بشكل أكبر بالصحة والرياضة، تم إنشاء SK Sports Holding DMCC، وهو مشروع أسسه نجم كرة القدم السابق كلارنس سيدورف وأسطورة الفنون القتالية المختلطة حبيب نور محمدوف، والذي سيدعم قريباً تدريب الشباب في كلتا الرياضتين من خلال الأكاديمية المزمع إنشاؤها.

 

على نحو مماثل، كان تنوع المأكولات والمشروبات في أبراج بحيرات جميرا نقطة محورية مهمة للمقيمين والزائرين الذين رأوا خياراتهم في الطعام تتوسع من عدد قليل من المقاهي إلى بعض المطاعم الأكثر رواجاً في دبي والتي تتراوح من مطاعم المعكرونة إلى المطاعم الكبيرة والمقاهي، إلى مشاريع الشراكة مع رجل الأعمال المقيم في دبي، توم أرنيل من شركة Bull & Roo. إجمالاً، تضم منطقة أبراج بحيرات جميرا الآن أكثر من 460 مقهى ومطعماً وفندقاً، بدءاً من سلاسل مطاعم شهيرة مثل بيتزا اكسبرس، إلى مطاعم عائلية تقدم الطعام المنزلي مثل بيت مريم، مما يوفر مطبخاً يناسب كل الأذواق في مجتمعها متعدد الثقافات.

 

إن هذا الاهتمام بالحياة المجتمعية لم يثبّط شهية مركز دبي للسلع المتعددة للأعمال أو من حماسه لمواصلة دعم ازدهار الشركات الأعضاء فيه، ففي عام 2015، افتتح برج للمكاتب من الدرجة الأولى، وان جي أل تي (One JLT)، على مساحة 26000 متر مربع مصمماً وفقاً لمعايير الشهادة الذهبية للريادة في مجال الطاقة والذي حفّز روح الاستدامة والتقنيات المبتكرة في مشروع واحد في موقع مركزي. ومع توفر كل منتج أو خدمة يمكن تصورها تقريباً في مساحة تقل عن كيلومترين مربعين، لم تكن مفاجأة أن تحصل منطقة أبراج بحيرات جميرا في عام 2017 على جائزة أفضل موقع مناسب لجميع أفراد الأسرة، بالإضافة إلى جائزة التميز في البنية التحتية والعقارات.

 

إلى جانب البنية التحتية المتقدمة، كان مركز دبي للسلع المتعددة يعمل أيضاً على تجديد سلاسل التوريد الحالية من خلال تقديم قيمة أكبر، ومن الأمثلة الرائعة على ذلك الشاي والقهوة. نظراً لأن دولة الإمارات لا تنتج أياً من السلعتين، كان مركز دبي للسلع المتعددة بحاجة إلى خلق البيئة المناسبة من أجل جذب كلا القطاعين للاستفادة من دبي كوجهة للتعبئة و/ أو التحميص و/ أو التخزين و/ أو إعادة التصدير، مع الحفاظ على تنافسية التكلفة. ومن خلال تطوير وإطلاق كل من مركز الشاي التابع لمركز دبي للسلع المتعددة في عام 2005 ومركز القهوة التابع لمركز دبي للسلع المتعددة في عام 2018، أصبحت دبي أكبر مصدر للشاي في العالم، كما أصبحت مسؤولة ما يعادل أكثر من 25 مليون فنجان قهوة منذ بدء التجارة فيها.

وشملت الصناعات الناشئة الأخرى التي تم إطلاقها داخل المجتمع أول مركز تكنولوجي عالمي لرجال الأعمال من Google في الشرق الأوسط مع شركة أسترولابس (AstroLabs Dubai)، والذي يشمل مختبراً متقدماً لتطوير الأجهزة المحمولة تم تصميمه بالاشتراك مع Google for Entrepreneurs، بينما نجح إطلاق مركز دبي للسلع المتعددة في عام 2021 لمركز الكريبتو التابع له في استقطاب أكثر من 400 شركة مع إبداء ما يقرب من ألف شركة أخرى اهتماماً بالمركز.

كموقع متنوع، أظهر باستمرار استعداداً لتبني التكنولوجيا الجديدة، وقّع مركز دبي للسلع المتعددة اتفاقية مع اتصالات ديجيتال في أكتوبر 2019 لتحويل منطقة أبراج بحيرات جميرا إلى أذكى مجتمع في المنطقة للعيش والعمل. وبناء على ذلك، تم تجهيز المجتمع بمنصات ذكية على مستوى عالمي استفادت من قوة إنترنت الأشياء، بينما أصبح أيضاً أول مجتمع في المنطقة يستخدم تكنولوجيا 5G. بالإضافة إلى شراكته الحالية مع كريم بايك (Careem Bike) ومبادرة السكوتر التابعة لهيئة الطرق والمواصلات، بالإضافة إلى مشروعه لتظليل مواقف السيارات بألواح الطاقة الشمسية بقدرة 6.3 ميجاوات، والذي يجري نشره في 17 موقعاً بما يوفر 7.612 ميجاوات في ساعة من الكهرباء سنوياً، فقد وصل مجتمع أبراج بحيرات جميرا بالفعل إلى قدرات، تجعل الناس ينتظرون إعلانه التالي باهتمام خاص.

تم كشف النقاب عن مشروع أبتاون دبي في عام 2015، وبدأ العمل على تنفيذه في عام 2017، مع حدث خاص منفصل للاحتفال ببدء بناء برج أبتاون في عام 2019، وهو أول برج من الأبراج الشاهقة متعددة الاستخدامات في منطقة أبتاون دبي. وتم تصنيف برج أبتاون كأول منتج ضيافة من فئة الخمس نجوم وأول منتج سكني يحمل علامة تجارية يتم إنشاؤه بالتعاون مع شركة أكور (Accor) وأدريان سميث ووجوردون جيل للهندسة المعمارية (ASGG) وويمبرلي أليسون تونغ آند غو (WATG) وبيسكس للإنشاءات (BESIX)، وهو ما يمثل تتويجاً لجميع الدروس المستفادة من أبراج بحيرات جميرا مع الفخامة المضافة للتكنولوجيا المعاصرة. ويتم بناء برج أبتاون وفقاً لمعايير الشهادة الذهبية للريادة في مجال الطاقة، حيث ينقل الاستدامة إلى مستوى جديد، على سبيل المثال من خلال تسجيل رقم قياسي عالمي جديد لأكبر محطة للطاقة الشمسية في موقع بناء في العالم، وبالتالي تقليل البصمة الكربونية للمشروع بأكثر من 50 % وخفض التكاليف التشغيلية بنسبة 20 %. وبدعم من Enerwhere، وهي شركة مسجلة في مركز دبي للسلع المتعددة، يتم تزويد أبتاون تاور بخدمات تبريد المناطق الصديقة للبيئة، بإذن من شركة الإمارات لأنظمة التبريد المركزية (إمباور).

مع حدوث مثل هذه التطورات الهامة في أبراج بحيرا جميرا وحولها، لم يكن من المستغرب أن يشعر أولئك الذين قرروا الاستثمار بالارتياح. وفي الواقع، صنفت Sotheby’s Luxhabitat في فبراير 2020 أبراج بحيرات جميرا في المركز الأول كأكثر مجتمع سكني فاخر يحقق عوائد إيجارية في دبي بنسبة 7.26 %.

في حين أنه ربما كان من الصعوبة بمكان مناقشة موقع منطقة أبراج بحيرات جميرا خلال مرحلة التخطيط الرئيسي، فإنها تغطي اليوم ثلاثة كيلومترات من شارع الشيخ زايد، الشريان الرئيسي لدبي من الشرق إلى الغرب، وهي متصلة بطريقين سريعين ومحطتي مترو و13 محطة للحافلات. كما أنها على بعد خمس دقائق من الشاطئ، وعشر دقائق من ابن بطوطة مول ونخلة جميرا، وعشرين دقيقة فقط من إكسبو 2020، ودبي باركس، ودبي مول، وأوبرا دبي، ومطار دبي، وعلى بعد ساعة من أبوظبي.

كثمرة لكل هذه الجهود، حصد مركز دبي للسلع المتعددة جائزة أفضل منطقة حرة في العالم التي تقدمها مجلة اف دي آي التابعة لصحيفة فايننشيال تايمز لمدة سبع سنوات متتالية، بينما كرّس مكانته الريادية على مستوى العالم في تجارة الماس الخام، كما أنه يعتبر مركزاً رئيسياً للذهب، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى المصافي المقامة فيه، وهو أول منطقة حرة في دولة الإمارات العربية المتحدة تنضم إلى الاتفاق العالمي للأمم المتحدة. وكميزة إضافية، ساعدته بيئته العمرانية وشعار «وجد من أجل التجارة» (Made for Trade) في جذب الشركات العالمية والشركات الموجودة في قائمة فورتشن 500 (Fortune 500) بما في ذلك بيبسيكو (PepsiCo) وجلينكور (Glencore) وتوتال (Total) وأمريكان إكسبريس (American Express) وبيتروناس (Petronas) وتاتا (Tata) وهانيويل (Honeywell) ودانون (Danone) وكولجيت بالموليف (Colgate Palmolive) وجنرال ميلز (General Mills)، وكاتربيلر (Caterpillar) على سبيل المثال لا الحصر.

بالتأكيد، من خلال تعزيز روح ديناميكية وريادة الأعمال، إلى جانب بيئة داعمة للأعمال مع بنية تحتية حديثة على مستوى عالمي، لم يستمر مركز دبي للسلع المتعددة في النمو فحسب، بل حقق مستويات أداء قياسية حيث استقطب 1469 شركة جديدة في النصف الأول من عام 2022، مما رفع مجموع الشركات المسجلة فيه إلى أكثر من 21000 شركة.

على الرغم من أنني لا أستطيع الاعتراض على قيمة الموقع عندما يتعلق الأمر بالعقارات، إلا أنني متأكد من أن نجاح منطقة أبراج بحيرات جميرا كمجتمع يرجع إلى التركيز الثابت على الرؤية طويلة المدى وعلى الأشخاص الذين اختاروا أن يكونوا جزءاً منها. إنها أكثر من مجرد موقع، إنها حقاً مجتمع عالمي يستمر في التطور بما يتماشى مع متطلبات واحتياجات سكانه وزائريه، مع الحفاظ على أدائه لمهامه المتمثلة في جذب وتمكين وتعزيز التجارة. اليوم، تقدّر قيمة هذه التجارة بأكثر من نصف تريليون دولار سنوياً - وهو رقم كان هارولد صموئيل سيوافق على أنه عائد قوي على الاستثمار.