يقول مورغان فريمان في جملة معبّرة عن حال الدنيا وأهل المكر فيها: «إنّ الصياد هو أكثر الناس حرصاً على عدم إثارة فزع العصافير»، وتكملتها تأتينا في حكمةٍ عند الهنود الحمر تقول:
«عندما يتظاهر الثعلب بالعَرَج يقفز الأرنب العجوز هارباً»، فأهل المكائد يبدون دوماً في مظهر الإنسان المسالم والمحب للجميع، وتحت هذا الدور الذي يؤديه باحتراف يُجهِّز المسرح لمفاجأة لم تكن في الحسبان، ليظهر الضبع المختبئ خلف قناع الحَمل الوديع، حينها سيلوم البقية أنفسهم، إذ لم يستمعوا لتحذيرات العقلاء الذين تم وصمهم بالرجعية والعيش في جلباب الماضي، وأنهم مجرد «حرس قديم» عفا عليه الزمن!
إنّ مِن أبسط بديهيات الإدارة هو أن تعرف جيداً ما الذي يجب ألا تفعله، حتى لا تضيع وقتك وجهدك فيما لا نفع فيه، ولتقطع الطريق على كل ما من شأنه أن يعود عليك بنتائج سيئة مهما كان خلّاباً وبرّاقاً كما يبدو للوهلة الأولى، دوماً فكّر في «النهاية»، وما هي المحصّلة لهذا الأمر «فعلاً» دون مساحيق تجميل، أو مجاملات غير محسوبة العواقب، أو وضع أمنيات بلهاء لا واقع يؤيدها ولا منطق يقف بجانبها!
لا أظن عاقلاً يفقه ما الذي حدث للعالم هذه الأيام، وبأي منطقٍ يُفسِّر مستوى السقوط الإنساني الذي صدم الدنيا، وكيف سَلَّم العالَم قيادَه «دون أن يشعر» لقلّةٍ شاذةٍ منحرفة، لم تكن تُذكَر بالماضي إلا رديفاً للفحش، فوجدناها حالياً هي من يضع معايير الصواب والخطأ، والمقبول من السلوكيات والمرذول.
ومن حيث لا نعلم أصبحت المسلسلات والأفلام وكارتون الصغار والألعاب والصور التي تخرج ليس للساقطين فقط، بل من السياسيين وأصحاب المناصب الكبيرة، لا تُبرِز إلا هذه الفئة المنحرفة وبطريقة وقحة في الإيحاء بأنّ ما عداها هو الخطأ، حتى الإعلانات تبرز امرأة بشعر قصير ورجل حليق بحواجب مرسومة وكأنه لا فرق بينهما!
لقد خُدِعنا، لنعترف بذلك دون مُكابَرة، ولم يخدعنا الشواذ، ولكن مَن سَوَّقَ قضيّتهم من كبار الساسة والإعلاميين الغربيين وصوّرهم كفئة مضطهدة لا تطلب شيئاً سوى أن تُترَك لتعيش دون انتقاص أو «تنمّر»، وتقبّل الكثيرون ذلك الطرح «التعايشي»، وتجاهل البقية ممن لم يستسيغوا طرحه أصلاً ذلك الأمر لتستمر الحياة دون إذكاء معارك لا يود أحد أن يكون طرفاً فيها.
فالعالَم مُتعَب من ضربات الأوبئة والتضخم والبطالة والحروب التي تُنذر بحرب كونية ثالثة، وهكذا دون أن ننتبه جيداً نجح الصياد ببراعة في عدم إثارة العصافير حتى سقطت «جميعها» في الفخ!
الفخ هو أنّ العالَم وجد نفسه مخنوقاً في زاوية الحلبة، وأنّ الخصم والحَكَم متفقان ضدّه، وأنّ الضربات تنهال عليه بنَفَسٍ انتقامي دون توقف، مِن ذات الطرف الذي كان يطلب العيش دون تنمّر فإذا هو أكبر متنمّر وأشرس منتقم، وجعل نُصْبَ عينيه قُدسية الأسرة.
وقام تسانده منصات التواصل الاجتماعي الـمُسيَّسة وأبواق الإعلام وعدد من الساسة الغربيين «بالتأكيد» بتلميع ما يُسمّى بالأسرة الجديدة التي يكون عمادها الهش أفراداً من ذات الفئة المنحرفة، والبدء في اختلاق قصص سيئة وتعميم شواذ الحالات الخاطئة التي تحصل في الأُسَر الطبيعية لشيطنتها وتصويرها كبؤرة شر وعنصرية، بل وصل الأمر بأحدهم ليقول بأنّ الأُسرة الطبيعية هي أخطر ما يُهدِّد سلامة وأمن الأطفال!
الأمر لا يبدو أنه سيتوقف، بل الحقيقة المرّة أننا في أوله وأنّ القادم أسوأ، ليس تشاؤماً أو تألّياً على الله سبحانه، ولكنّ الشرّ إذا لم يجد من يدفعه والمنكر إنْ لم يرفع صوته من يرفضه.
فإنّ النواميس الإلهية لا تتغيّر، فالهلاك يصيب الجميع «إذا كَثُرَ الخَبث»، فترك المشهد لهذه الفئة وداعميها يُشكِّل نهاية مظلمة للبشرية، وكم هو عجيب أن نبحث عن العقلاء أصحاب النفوذ ليتحدّثوا نيابة عن الأغلبية الساحقة من البشرية فلا نكاد نسمع صوتاً، وننظر لنجد بعض من يبدي رفضه من الناس العاديين تُنتَهَك حقوقه في التعبير عن رأيه، تستطيع أن تشتم كل الأنبياء وتتطاول على الذات الإلهية.
ولكن إيّاك أن تتكلم عن هؤلاء الساقطين من حثالات البشر، فكل منصة تواصل ستقوم بحظرك أو حذف حسابك، وإن لم تكترث لاحقك قانون تم تفصيله لإسكاتك للأبد!
العالَم يُجرُّ جَرّاً للسقوط، واللحظة تنتظر وقفات رجال لا يعرفون المجاملات «اللي مالها سنع»، فإنْ تُرِك الحبل لهؤلاء أكثر فلن يبقى شيء آخر يستحق أن ندافع عنه، ولن ينفع حينها البكاء ولا الندم!
* كاتب إماراتي