18 أكتوبر 2007م. كنا أمام التلفزيون، وكانت مذيعة النشرة تقرأ خبر عودة بنازير بوتو إلى باكستان بعد أن قضت في المنفى سنوات فرضها عليها الصراع على السلطة في بلدها، وكانت قد خرجت من باكستان بعد إعدام والدها الرئيس الأسبق ذوالفقار علي بوتو عام 1979م، وبعد فترة من العمل السياسي قضتها بين السجون والمنافي. قلت وقتها يبدو أنها ذاهبة إلى حتفها بعد أن تمتعت بالأمان فترة في منفاها، وكانت هي قد كتبت في مذكراتها التي نُشِرت بعد مقتلها: «أتهيأ الآن للعودة إلى مستقبل مجهول في الباكستان في العام 2007. أعرف جيداً أن المخاطر لا تكون لي وحدي فقط، ولكن لبلادي وللعالم بأسره، ومن الجائز أن أُعتقَل. وأدركتُ أنه كما تم اغتيال بينينو أكينو في مانيلا في أغسطس من العام 1983 يمكن أن أقتل لدى وصولي إلى مدرج المطار». بعد منتصف ليل 19 أكتوبر، وبعد أن خرجت من المطار، استهدف موكبها في كراتشي تفجيران انتحاريان أديا إلى مقتل 179 شخصاً، ولم تصب بنازير بسوء في محاولة الاغتيال الأولى هذه.

في 27 ديسمبر من العام نفسه حدثت المحاولة الثانية بعد خروجها من مؤتمر انتخابي لمناصريها في روالبندي. هذه المرة تلقت بوتو رصاصات في الرأس والعنق عندما كانت تقف في فتحة سقف السيارة لتحية الجماهير المحتشدة، تبعتها عملية تفجير قام بها انتحاري كان يبعد عنها 25 متراً. قُتِل في العملية عشرون من مؤيديها. كانت بنازير بوتو تنحدر من أسرة إقطاعية، وقد تلقت تعليمها في جامعتي هارفارد الأمريكية وأكسفورد البريطانية. كان يمكنها أن تكف عن السعي إلى السلطة التي قضت على والدها وشقيقيها ونكبت عائلتها، لكنها لم تفعل.

لم يكن ما قلته ونحن نستمع في نشرة الأخبار إلى خبر عودتها إلى باكستان عام 2007 نبوءة، ولكنه كان قراءة لواقع تلطخ ذيوله دماء سالت على الطرق المؤدية إلى اعتلاء السلطة في مناطق كثيرة من العالم.

يوم 3 نوفمبر 2022 تعرض رئيس وزراء باكستان السابق عمران خان لإصابة خلال إطلاق نار استهدف أنصاره، بينما كان يشارك في مسيرة ضخمة لأجل انتقاد الحكومة الحالية، مما أدى إلى حالة من الفوضى، وأصيب أعضاء من حزب «الإنصاف» خلال إطلاق النار على عمران خان، الذي كان قد غادر منصبه وسط توتر سياسي كبير.

ينحدر عمران خان من أسرة متوسطة، فقد كان والده مهندساً مدنياً في لاهور، وقد تلقى تعليمه في «كلية أيتشسون» بمدينة لاهور، و«مدرسة القواعد الملكية» في إنجلترا، وفي عام 1972 أُلحِق بكلية «كيبل كوليج» في أكسفورد لدراسة الفلسفة والسياسة والاقتصاد، حيث تخرج من الكلية في المرتبة الثانية في السياسة، والمرتبة الثالثة في الاقتصاد. لمع نجم عمران خان في لعبة الكريكيت ذات الشعبية العالية في كل من باكستان وإنجلترا، فقد لعب لصالح فريق الكريكيت الباكستاني من عام 1971 وحتى عام 1992م، وبعد تقاعده من اللعبة في نهاية بطولة كأس العالم عام 1987 استدعي مرة أخرى للانضمام إلى الفريق عام 1988م، وبينما كان في التاسعة والثلاثين قاد زملاءه في الفريق لتحقيق الفوز الأول والوحيد لباكستان ببطولة كأس العالم عام 1992م.

ولأن السياسة تشكل عنصر جذب قوي في هذا البلد الذي يقارب عدد سكانه 240 مليون نسمة، فقد أسس خان حزبه السياسي «حركة الإنصاف الباكستانية» في 25 إبريل 1996م. في 17 أغسطس 2018 حصل خان على تأييد 176 نائباً وأصبح رئيس وزراء باكستان الثاني والعشرين، وأدى اليمين الدستورية في 18 أغسطس 2018م. في 8 مارس 2022 قدمت أحزاب المعارضة اقتراحاً بحجب الثقة عن خان إلى سكرتارية الجمعية الوطنية. في 10 أبريل 2022 تم إجراء تصويت بحجب الثقة وأطيح به من منصبه ليصبح أول رئيس وزراء في باكستان يتم عزله من منصبه عن طريق تصويت بحجب الثقة. ويوم الخميس 3 نوفمبر وقعت محاولة اغتياله.

هذه ليست النهاية، فما زال للقصة بقية، لأن الطريق إلى الكراسي الذهبية طويل وممتد مثل حكايات «ألف ليلة وليلة» الشهيرة، التي عادة ما تبدأ بعبارة شهرزاد «بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد...» المعروفة، لكنها غالباً ما تنتهي بالسيّاف مسعود ونطعه الممدود.