جاء في المعاجم العربية في مادة الحقد: حقد يحقد فهو حاقد، والحاقد من أضمر العداوة له وتربص فرصة الإيقاع به، وحقد عليه كرههه وبغضه. فالحقد شعور قار في النفس وينطوي على سلوك عنف ثأري، وهذا يعني بأن كل حقد هو كره، ولكن ليس كل كره يقود إلى الحقد.

ويُذم الحقد في كل ثقافات البشر، رغم أن جميع البشر يحقدون أو مروا بتجربة الحقد. وفي الشعر العربي هناك أبيات كثيرة في ذم الحقد. فقد جاء على لسان عنترة العبسي كما يروى:

لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب.

أما ابن الرومي فقد قال:

يا مادح الحقد محتالاً له شبهاً سلكت له مسلكاً وعثا

الحقد داء دوي لا دواء له يري الصدور إذا ما جمره حُرثا

ولَم يُمدح الحقد صراحة إلا في الشيوعية بوصفه حقداً طبقياً، بل وينظر إليه فيها نظرة إيجابية. ويكون الحقد في الخطاب ضد المستعمر والمحتل والعدو عموماً. لا شك بأننا نحقد على سالب حقنا، بل ونحقد لأسباب لا تتعلق بالحق.

عن الأحقاد التي تولد عن أسباب لا تولد الحقد أتحدث.

من أخطر أنواع الحقد على مستقبل عيشنا المشترك هو الحقد الطائفي. ما هي أسباب الحقد الطائفي الذي يتولد لدى جماعات يعيشون في وطن واحد؟

إنه الوعي التاريخي الزائف المليء بالأساطير التاريخية غير المعقولة. فكل تاريخ الأمم والشعوب مليء بالاختلاف الطائفي والمذهبي، وأن يتحول وعي الجماعات بذاتها إلى وعي حاقد على الآخر في عالم جديد معاصر بناء على تاريخ ماضٍ سحيق لهو أعلى درجات الوعي الزائف. فالأرواح التي زُهقت بسبب الحقد الطائفي في بلدان عدة، تبعث على الرعب. فحرب الثلاثين عاماً التي جرت في أوروبا في القرن السابع عشر بين البروتستانت والكاثوليك أودت بحياة ثلث السكان في أوروبا.

والحرب الطائفية في جبل لبنان في القرن التاسع عشر بين الدروز والموارنة فقد فيها جبل لبنان عشرين ألف قتيل من جماعات لا يتجاوز عدد أفرادها بضعة آلاف. وقس على ذلك.

وهناك الحقد القومي، فعندما يحقد أفراد قومية على قومية أخرى لأسباب تعود لألف عام ونيف، فهذا وعي أقرب إلى الهبل.

أو تأمل الحقد العنصري الذي يعود إلى الأعراق من حيث لونها، فهو أسوأ أنواع الحقد، لأنه حقد على اللون الذي لا خيار لصاحبه فيه.

لا شك بأن كل الأحقاد السابقة تنطوي على أهداف خفية، وبخاصة أهداف مادية، فتلبس أهدافها المادية لبوساً طائفياً وقومياً وعنصرياً.

أما حقد الأفراد بعضهم على بعضهم الآخر، فأمره صعب عرضه في هذه العجالة، لكن لا بد من الإشارة إلى الأسباب التي تولد الحقد والضغينة والكره بين البشر. فالعداوة بين الأفراد سرعان ما تنتقل من علاقة حسنة إلى علاقة حقد من أحد الطرفين أو من كليهما ولأسباب اختلاف لا يدعو إلى مثل هذه العداوة.

فقد يكون سبب الحقد الحسد وهي خصلة مذمومة دينياً واجتماعياً، وقد يعود الحقد إلى اختلاف الوعي الأيديولوجي، والأيديولوجيا مصدر مهم من مصادر ولادة الأحقاد، كما يعود إلى اختلاف في المصالح المادية.

وقد يعود الحقد بين الأفراد في اللحظات التي تتطلب المواقف إلى صراع المواقف أو إلى العداوات القديمة، أو إلى توهم ضرر ما قد جاء من آخر. وهكذا.

وأشد أنواع حقد الأفراد سوءاً هو الحقد الصامت الذي يتخفى برداء من الود، والذي ينتهز الفرصة للإعلان عن نفسه بكل فجور.

وبعد إن هناك مفهومين أساسيين نقاوم بهما كل أشكال الحقد السابقة، وهما: التعايش والتسامح.

فالتعايش هو اعتراف بحق الاختلاف دون أن يولد الاختلاف البغضاء، أما التسامح فهو احترام المختلف فيكون التعايش اعترافاً واحتراماً.

* كاتب وأكاديمي فلسطيني