أعوام تمضي ترتحل بأوقاتها وأيامها، تطوى الصفحات وتنسى ويبقى منها ما يستذكر، تمضي بنا الحياة ولا تتوقف، ينتهي فصل ليبدأ آخر، تقلب الصفحة ليكتب على تاليها، هي هكذا الحياة لا نهاية فيها إلا عند سير الموت. 

وأما العبرة في خواتيم الأشياء، ماذا حصدت؟ ماذا جمعت في رصيد إنجازاتك على جميع الأصعدة؟ العبرة أن تكون ممتناً في الختام، تعد سعاداتك وأرباحك، فلا نهاية ولا بداية لشيء جديد إلا وقد كسبت الكثير كما خسرت. 

على مشارف نهاية العام، الأسابيع الأخيرة دوماً متعبة ونتكبد فيها الكثير من الجهد في رصد الأمنيات ومراجعة شريط الحياة، الحديث المعتاد وخربشات القلم المعتادة على سطور دفتر الأحلام: «سأفعل هكذا» «وسأصل إلى هنا»، نخطط سير الأهداف، وماذا بعد؟ روتين نهاية كل عام يائس ومتكرر، دعكم من كل هذا، دعكم من تحصيل أرصدة السنة، اقتنصوا الفرص ولتفعلوا شيئاً جديداً، عيش تجربة لا تسبق السنة التي قبلها، غيروا اتجاه نظركم غيروا وجهاتكم المعتادة، لتنظر أعينكم بطريقة مختلفة هذه المرة. 

كم سعادة حصدتموها طوال السنة؟ كم ليلة مرت دون أن ترهق أعينكم؟ كم مرة ضجت ضحكات أفراد العائلة جدران البيت؟ كم مرة استلذذتم بدفء حضن الأحبة؟ كم مرة أزيح الأذى عن طريقكم؟ وكم مرة طوال هذه السنة ضمتكم أجنحة الأصدقاء تحتها دون أن يعتريها خذلان؟ كم مرة تعثرتم ولكنكم نهضتم تكملون الطريق بروح قوية؟ 

«كم مرة»؟ دعوا هذا السؤال يكون عنوان الختام، ستحصدون يقيناً أرصدة ممتلئة بالكثير من ما يستحق الامتنان، يقول شمس الدين التبريزي: تحسن الآن، وافرح الآن، وابدأ الآن، وعش الآن، فالمستقبل لن يأتي لك بشيء جديد عن الحياة التي تحياها الآن. 

أنت كل يوم تقبل جبين الحياة صباحاً هو عامك الجديد، كل يوم تقف به على رجليك وتسعى بهما في هذه الحياة هو عامك الجديد، أنت هو عامك الجديد، فلا ترتقب عاماً جديداً برقم مختلف لتشرق أنت، فأنت الاختلاف والأيام الجديدة، فيك عزيزي ينطوي كل شيء من قناعاتك، أفكارك، أحلامك وأمنياتك، تنطوي فيك البدايات والخواتيم، كل يوم تسعى به نحو الحياة بشغف وتعب، بحب وجهد يستحق منك أن تحتفل وتحتفي به، كل عام وكل يوم أنت هو العام الجديد، استمر وكافح بعزم وقوة نحو طموحاتك، وكن شكوراً لكل ما سقط منك ورحل، لكل صفحة من حياتك أعطتك دروساً فكونت منك ما أنت عليه الآن، النسخة الأفضل والأقوى، يقول جل جلاله في كتابه العزيز: «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ» الرعد:11.

لن تغير لكم السنة الجديدة ولا رقم 2023 شيئاً من أقداركم، ولا الأمنيات المكتوبة على السطور، أنتم بذواتكم ستغيرون العالم أجمع لصالحكم، فاسعوا في مناكبها حباً وأملاً وعزيمة، لتحصدوا ما كتبتموه على السطور فعلاً وقولاً.