ما إن ترجلت من عربة الأجرة حتى هتف سائقها يستمهلني. توقفت واستدرت نحوه، فدفع إليّ بمفتاحٍ غريبٍ، قال إنه سقط مني على الكرسي. ولم أكن أحتاج لأكثر من نظرةٍ واحدةٍ لأعرف أنني أرى ذلك المفتاح لأول مرة في حياتي.

أخبرته بذلك، لكنه ألحّ بإصرار:

- إنه مفتاح بيتك. لا أريد أن أتحمل مسؤولية ما قد يحصل.

كان رجلاً مهذباً وكيّساً، إلا أنه عنيدٌ على نحو واضح. وبوسع أي إنسان أن يدرك بمجرد سماع أول جملةٍ يقولها، أنه من ذلك النوع الذي لا يتردد في تحويل أبسط حديث إلى جدالٍ لا ينتهي.

هذا ما أدركته تماماً، فرأيت أن من الحريِّ بي، والأسهل عليّ، أن أقبل بالمفتاح. على الأقل، فإن ذلك يتيح لي إنهاء الحديث، واللحاق بموعدي؛ ففعلت، وانتهى الأمر عند هذا الحد.

أو هكذا خيل إليّ!

بلى، هكذا خيّل إليّ؛ إذ إنني بعد انتهائي من موعدي، استقليت عربة أجرة أخرى. وطلبت التوجه إلى الحي التجاري. وهناك، بعد أن ترجلت من العربة، فوجئت بالسائق يفعل ما فعله سابقه؛ لقد هتف يستمهلني. وحينما توقفت واستدرت، دفع إليّ بمفتاح غريب قال إنه سقط مني على الكرسي أثناء نزولي من عربته.

حاولت إفهامه أن لا علاقة لي بذلك المفتاح، مشيراً إلى أن هذه الحادثة سبق أن حصلت معي منذ ساعة مع زميل آخر له، فقال بثقةٍ تامةٍ:

- أترى؟ هذا دليل على أنني محق. أنت مشوشٌ لدرجة أن أشياءك تتساقط منك، ثم لا تعود تتعرف عليها!

وبالنتيجة، انتهى الجدال بأنني وجدت أن من الأسهل عليّ أن أقبل بالمفتاح الغريب. على الأقل، لأن ذلك يتيح لي إنهاء الحديث، واللحاق بموعدي التالي؛ ففعلت، وكان لا بد أن ينتهي الأمر عند هذا الحد.

أو هكذا حسبت وأملت!

لم ينته الأمر عند هذا الحد، إذ بعد انتهائي من موعدي في الحي التجاري، استقليت عربة أجرة ثالثة. وطلبت التوجه إلى وسط المدينة. وهناك، فوجئت بالموقف نفسه؛ لقد هتف بي السائق يستمهلني حالما ترجلت من العربة. وحينما توقفت واستدرت نحوه، دفع إليّ بمفتاح غريب، وقال إنه سقط مني.

وبالطبع، حاولت جهدي أن أقنعه بأن لا علاقة لي بذلك المفتاح، لكنه لم يقبل كسابقيه الاقتناع بذلك نهائياً، فاضطررت لقبول روايته، واستلام المفتاح منه؛ فقد بدا لي أن هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة للتصرف، بما يضمن الحفاظ على وقتي.

الأسوأ من ذلك أن هذا الموقف تكرر معي طوال النهار.

لقد تكرر لدرجة أنني حينما عدت إلى البيت، كانت جيوبي مليئة بكل أنواع المفاتيح الغريبة. مفاتيح بيوت آخرين، لا أعرفهم. لكني رحت طوال طريق عودتي أفكر بهم، بينما يقفون أمام أبواب بيوتهم، يفتشون في جيوبهم، فيكتشفون أنهم أضاعوا مفاتيحهم.

لقد سقطت في غفلة منهم، واستقرت، بفضل عناد سائقي عربات الأجرة، في جيبي!

وبالمناسبة، لم يختلف الأمر حينما وصلت المبنى الذي أقطن فيه. لقد واجهت الموقف نفسه. لقد هتف سائق عربة الأجرة يستمهلني حالما ترجلت من عربته. توقفت واستدرت نحوه، فدفع إليّ بمفتاح غريب، وقال إنه سقط مني.

كنت قد حفظت الدرس جيداً، فقبلت روايته على الفور، واستلمت المفتاح وأودعته في جيبي، ثم توجهت إلى بيتي ووقفت ببابه، وأخرجت مفتاح بيتي، وحاولت إيلاجه بالقفل، إلا أنه لم يدخل.

في البداية، اعتقدت أن ثمة خطأ ما، أو أنني خلطت بين مفتاح بيتي وأحد المفاتيح العديدة التي اضطررت إلى قبولها طوال النهار. لكن بعد التدقيق تبين أن ذلك كان مفتاح بيتي، ولم يكن ثمة مجال للخطأ: إنه معلّق بسلسلة إلى جانب مفاتيحي الأخرى.

وبالطبع، سرعان ما قادني اليأس إلى تجريب تلك المفاتيح، التي كنت اضطررت إلى قبولها طوال النهار، والإقرار بأنها مفاتيح بيتي. ولا أستطيع أن أقول بأنني كنت سعيداً حينما اكتشفت أنها، كلها، استطاعت، بسلاسة ويسر، فعل ما عجز عن فعله مفتاح بيتي: لقد فتحت قفل الباب!

في الحقيقة انتابني الغضب، حتى لقد هممت بإلقاء مفتاح بيتي بعيداً، لولا أنني أدركت أن من الأجدر بي أن أفكر بكل أولئك الناس الذين يمكن أن يفتح مفتاح بيتي الأقفال التي تُغلق أبواب بيوتهم. ولِـم لا؟ فهؤلاء، دون شك، هم أصحاب هذه المفاتيح التي تملأ جيوبي، وتفتح بابي!

حسناً، ما الذي يدعوني إلى رواية هذه الحكاية!؟ بلى، لقد كنت أريد، وحسب، أن أوجه أمنياتي القلبية بدخول سعيد إلى العام الجديد!

 

* كاتب أردني