ينتسب العام المنصرم، بلا شك، إلى الأعوام العربية الصعبة التي شهدناها بدءاً من عام 2011، أي تلك الأعوام التي شهدت ما سمي اعتباطاً، وعن سوء نية، بـ «الربيع العربي»، الذي جاء مثل «وباء» سياسي واجتماعي، عصف بمنطقتنا، وخلخل استقرارها.

وقد يكون حال العام المنصرم مختلفاً عن تلك الأعوام على المستوى العالمي، وعن عامي الجائحة اللذين سبقاه، إلا أنه لم يخلُّ من الصعوبات والتعقيدات الخاصة به، في الوقت الذي نظر الجميع إليه بوصفه العام الذي سيشهد لحظات الوداع النهائية مع «الوباء»، خالف التوقعات، فأضاف إلى أعباء الوباء أعباءً أخرى إضافية. والأكثر فداحة من ذلك، أنه وضع العالم، بما شهده من تعقيدات سياسية، تحت وطأة آثار وظروف طارئة واستثنائية، أثرت في حياة كل إنسان، وأثقلتها بالأعباء.

وفي السياق، يجد المرء نفسه شديد الحذر في توقعاته، بما يتعلق بالعام الجديد، إذ لا يبدو من السهل تصور أنه قادر على رفع وطأة سابقه، فهو مثقل بما ورث عما سبقه من أعوام، لذا، في مثل هذا العام، لا بد من يد الإنسان وإرادته لتحويل الاتجاه، والعودة إلى منطقة التفاؤل والأمل.

وهذا بالطبع ليس سهلاً، فالتحديات أكبر من العقول والإرادات المنفردة، ويتطلب الأمر عزماً وتصميماً ممنهجاً وجريئاً، وأفكاراً مبتكرة وقادرة على تحقيق اختراق في جدار الأزمة العالمية، التي جمعت بين المعطيات الاقتصادية الصعبة، والعلاقات السياسية المعقدة، والتأزيم الميداني، الذي نقل السياسة إلى جبهات متقاتلة.

ومع ذلك، يبقى البحث عن أمل هو الخيار، الذي لا بديل عنه، والفرصة التي يجب عدم الاستهانة بها، والمسار الذي لا غنى عنه.

وفي هذا السياق، من الواضح أن جذر الأزمة العالمية، يكمن في أن هناك بعض الدول عادت لتطالب بموقعها ومكانها في العالم وقراره.

وهذا الواقع لا يتعلق بدول كبيرة، مثل روسيا والصين فحسب، بل ويمس دولاً كثيرة، تشعر بأن من حقها أن تكون حاضرة على مستوى القرار الدولي. وكذلك أمم تعاني من تعطل قضاياها، لأن المنظمة الدولية الأولى عاجزة، وغير قادرة على إيصال أي من الملفات التي تتولاها إلى منتهاه الطبيعي.

والسؤال المهم هنا، هو، إن كان هذا العالم ومن يقوده يدركون أن التاريخ يسير قدماً، وهو حينما يسمح بأزمات من هذا النوع، وبهذا العمق، فهو يعطي إشارةً، ويدق جرس إنذار، محذراً من أن النظام العالمي لم يعد فعالاً، وبات غير قادر على القيام بوظيفته.

والسؤال الأهم من ذلك، هو هل يدرك هذا العالم ومن يقوده، أن مصلحتهم التكيف مع الواقع، والاستجابة للضرورات، ومواكبة العصر، وتقاسم الخيرات، أم هم لا يزالون يعتقدون أن «الهيمنة» لا تزال أداة فعالة لممارسة الوجود الحضاري؟

ربما كانت النزاعات الدولية تجري بعيداً عنا، وتدور في ساحات ليست قريبة، إلا أن الإنسانية، في الحقيقة، تقف بكاملها اليوم في وسط الصراع، تتأثر به بشدة، وتعاني من تبعاته. وهذا يعني أنها تملك الحق في محاولة التأثير به، وضبط حدود تأثيره.

ومن اللافت أن دولاً كثيرة، كانت بعيدة نسبياً عن التأثير في القرار الدولي، ولكن يتضح مع الأزمات المتتابعة، أن مفهوم الدول الكبرى نفسه قد تغير، ولم تعد هناك دولة لها القرار الأوحد على المستوى الدولي.

وبين هذا وذاك، يبقى الأمر منوطاً، في الأساس، بشحنة الأمل والتفاؤل، التي يمكن أن تحفز الإنسانية على المبادرة والتحرك بإيجابية.

 

* كاتب أردني