صدمت حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان العالم أخيراً بسلسلة من القرارات، التي وصفت- وبحق- بأنها تشكل حرباً على المرأة الأفغانية، وانتهاكاً صارخاً لحقوقها الأساسية، كان آخرها قرار إغلاق الجامعات أمام الطالبات في جميع أنحاء البلاد، بعد فترة قليلة من قرار آخر بمنع الفتيات من الالتحاق بالمدارس الثانوية. هذا القرار الذي يحرم نصف المجتمع الأفغاني من حقه في التعليم، لا يمكن أن يوصف فقط بأنه حرب على المرأة، إنما هو حرب على مستقبل أفغانستان، وحق شعبها في التنمية والتقدم، وهذا الأخير لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود شعب متعلم قادر على استيعاب المعرفة الحديثة، التي تمكنه من تغيير واقعه المؤلم، وبناء مستقبل أفضل.

لا خلاف على أن المرأة المتعلمة هي حجر الزاوية في بناء المجتمع الواعي والمستوعب للمعارف الحديثة، وحرمانها من التعليم من شأنه أن يقوض أي جهود ممكنة، لانتشال المجتمع الأفغاني من دائرة الجهل والأمية والتخلف، وهذا ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بقوله: إن «الحرمان من التعليم لا ينتهك الحقوق المتساوية للنساء والفتيات فحسب، بل سيكون له تأثير مدمر على مستقبل البلاد»، فيما اعتبرت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان أن حرمان النساء والفتيات من حقهن الأساسي في التعليم «يحرم كل أفغانستان من المستقبل».

وبطبيعة الحال، لم تقتصر حملة القمع والانتهاكات، التي تعرضت لها المرأة الأفغانية على حرمانها من حقها في التعليم، بل امتدت إلى العديد من المجالات الأخرى، منذ وصول حركة طالبان للمرة الثانية إلى السلطة في نهاية أغسطس 2021، حيث تم تقييد حرية النساء والفتيات في الحركة، واستبعادهن من معظم المهن، وحظرت النساء من استخدام الحدائق، وصالات الألعاب الرياضية، والحمامات العامة، كما تم منع المرأة حتى من الصلاة في المساجد، والعمل في أنشطة الإغاثة الإنسانية، ولا جدال في أن هذه القيود، ولا سيما تلك المتعلقة بمنع المرأة من العمل، من شأنها أن تفاقم من حدة الأزمات الاقتصادية، التي تواجها أفغانستان، وتفقد الاقتصاد الأفغاني نصف قوته العاملة، في بلد بلغت نسبة الفقر فيه 97 في المئة، ويعاني 20 مليوناً من سكانه من الجوع، ويحتاج الملايين فيها إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

لقد كان هناك بصيص أمل في أن تكون حركة طالبان قد استفادت من أخطاء فترة حكمها الأولى لأفغانستان، والتي انتهت بحرب أمريكية- دولية لإقصائها، استمرت تداعياتها أكثر من عقدين، ولكن سلسلة الإجراءات، التي اتخذتها بحق المرأة الأفغانية، وإصرارها على حرمانها من حقوقها الأساسية بوصفها إنسانة يؤكد بوضوح أنها لم تتعلم دروس الماضي، ولم تستوعب متطلبات النهضة والتقدم، ومن هنا فإن المجتمع الدولي مطالب بأن يتحرك بجدية من أجل الضغط على الحركة ودفعها للتراجع عن هذه القرارات، التي ستدمر مستقبل أفغانستان، وتبقيه عقوداً أخرى مقبلة في دائرة الفقر والتخلف والجهل والصراعات العبثية.

كاتبة إماراتية*