كنت في طريقي مشياً على الأقدام إلى إحدى مسابقات نادي الإلقاء والخطابة في أثناء دراستي في الولايات المتحدة، وخلال استخدامي نظام تحديد الموقع الجغرافي لمعرفة مكان الحدث، انتهى بي الطريق عند تقاطع، وما زلت لا أرى أي ملامح للجهة المقصودة. أدركت لحظتها أني تائهة ولا أملك من الوقت سوى بضع دقائق للوصول قبل بدء المسابقة. حينها توقفت على قارعة الطريق أبحث يمنة ويسرة علّي أجد من يدلني على المكان المنشود.

سألت جميع المارة عل أحدهم يعرف المبنى الذي أبحث عنه، إلا امرأة تتوكأ عصاها لتعبر معي إلى الجهة الأخرى من الشارع، وكيف لعمياء أن تدلني على الطريق؟! رضيت بحقيقة أن كل من سألت لا يعرف بالتحديد المكان الذي أريد. وفي أثناء محاولاتي الأخيرة والاتصال بأحد الأصدقاء ليرشدني للوجهة، قاطعتني العمياء: عزيزتي، أنا أعرف المكان الذي تريدين، وأكملت: من فضلك اتبعيني.

حاولت إخفاء دهشتي ولكن غلبتني ابتسامتي بأن عمياء ستقودني في الطريق! تبادلنا الحديث، وعرفت منها أن اسمها شيفان وتعمل لدى الحكومة الأمريكية في دَور حيوي ومهم وهو إيجاد خيارات متعددة لكبار السن لإعادة دمجهم في المجتمع ومنها على سبيل المثال تأهيلهم للسكن مع ذويهم، وإيجاد مساكن خاصة لهم خارج دور الرعاية، والعديد من الخيارات الأخرى التي تقدمها الحكومة لدعم الكبار.

في زمن قياسي قصير تعلمت من شيفان أن إعاقتها لم توقفها عن مواصلة التعلم والإنتاج والعطاء للمجتمع فهي عضوة في نادي الإلقاء والخطابة، بالإضافة إلى دورها المهم موظفة لدى الحكومة وإيمانها بأن جميع الأفراد مهما كبر سنهم لهم دور أساسي في تكامل المجتمع، وأنه يجب مساندتهم بإعطائهم الخيارات التي تكفل لهم عيش حياة كريمة.

ماذا لو أدركنا أن العمى هو غياب البصيرة وليس البصر؟ ماذا لو توقفنا عن التسرع في إطلاق الأحكام على الآخرين بسبب شكلهم الخارجي؟ ماذا لو سمحنا للآخرين بإظهار أفضل ما لديهم ولذواتهم الحقيقية بالظهور على السطح؟