الكُتّاب مهدَّدون بالاستغناء عنهم، هذا ما يتردد في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي هذه الأيام بعد أن أصبحت تقنية (ChatGPT) في متناول الجميع، وأصبح بإمكان أي إنسان أن يطلب من جهاز حاسوبه أو هاتفه الذكي أن يكتب له مقالاً في أي موضوع يختاره، ليجده أمامه خلال ثوانٍ، وبدقة تكاد تقترب من الكمال.

الأمر لم يتوقف عند موضوع الكتابة الإبداعية فقط، فالطلبة أيضاً لن يجدوا أنفسهم مضطرين إلى سهر الليالي لعمل بحوثهم ودراساتهم، فبضغطة واحدة يستطيع (ChatGPT) أن يقدم للواحد منهم بحثاً علمياً يعجز عن كتابته ألبرت آينشتاين وتوماس أديسون وإسحق نيوتن مجتمعين، ويبقى بعد ذلك على المتخصصين في شركات البرمجة أن يعملوا على تطوير برامج وتقنيات حاسوبية تكشف السرقات العلمية والانتحال الأدبي، وهي برامج وتقنيات لا تتوفر حالياً إلا في الجامعات الكبيرة ومراكز الأبحاث الكبرى، نظراً لكونها غالية الثمن وغير متاحة للأفراد العاديين، فما هي حكاية (ChatGPT) هذا الذي أصبح حديث المدينة هذه الأيام؟

أواخر العام الماضي كانت البداية، عندما أصدرت شركة (OpenAI) الأمريكية روبوت دردشة يعتمد على الذكاء الاصطناعي، يقوم بالإجابة عن أسئلة المستخدم بطريقة إبداعية مذهلة، ويكتب المقالات التي يصعب تمييزها غالباً عن المحتوى المكتوب من قبل الإنسان، الأمر الذي شكل تهديداً لمستقبل محرك «جوجل» الشهير، وفقاً لما جاء في تقرير نشرته مجلة «نيويورك تايمز» الأمريكية. البرنامج واجه مقاومة متزايدة في التعليم والأبحاث من قبل عدد من المدارس والجامعات حول العالم، حيث بادر بعضها إلى حظر استخدامه، خشية تحوله إلى وسيلة للغش والانتحال، ودعا وزير التربية الفرنسي إلى اتخاذ تدابير أوسع نطاقاً، وفي بريطانيا يعتزم مكتب تنظيم الامتحانات وضع ميثاق للمدارس، وأثار عضو في البرلمان البريطاني ضجة، في شهر ديسمبر الماضي، حين تلا خطاباً كتبه البرنامج طبقاً لأسلوب تشرشل.

إيلون ماسك، أحد مؤسسي (OpenAI) التي ابتكرت البرنامج، والذي خرج من مجلس إدارة الشركة منذ فترة، قال في القمة العالمية للحكومات الأخيرة، في حوار أجراه معه عن بعد معالي محمد القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء رئيس القمة، قال إن الذكاء الاصطناعي على المدى القريب ربما يكون أمراً مقلقاً، وعلينا الانتباه لدرجة سلامته وأمانه. وذكر ماسك أنه لعب دوراً كبيراً في ابتكار الذكاء الاصطناعي المفتوح، وأنه كان وقتها قلقاً من أن العالم لا يولي الانتباه الكبير لدرجات أمن الذكاء الاصطناعي، لكنه كان مصدراً مفتوحاً في البداية وغير ربحي، وقد أصبح الآن مصدراً مغلقاً يختص بتحقيق الأرباح، وأنه ما عاد يسيطر عليه بأي شكل ولم يعد عضواً في مجلس الإدارة، لكن (ChatGPT) من وجهة نظره أظهر للجميع مدى تقدم الذكاء الاصطناعي، ورغم أن الذكاء الاصطناعي متطور منذ فترة طويلة إلا أنه لم تكن هناك واجهة للمستخدمين بإمكان الأشخاص الوصول إليها، وقد أصبح (ChatGPT) واجهة متاحة للجميع، يوفر لهم ذكاء اصطناعياً.

وأضاف ماسك أن هناك نسخاً متقدمة أكثر من (ChatGPT) ستطرح قريباً، لذلك علينا بكل صراحة أن ندير الذكاء الاصطناعي وأن تكون هناك ضوابط رقابية، فالتكنولوجيا تشكل خطراً على حياة الناس، ومثلما هناك أجهزة رقابية تشرف على ضمان السلامة العامة للطائرات والسيارات والأدوية، يجب أن يكون هناك إشراف رقابي مشابه على الذكاء الاصطناعي لأنه يشكل خطراً أكبر على المجتمعات من السيارات والطائرات والأدوية. هذا الإشراف ربما تسبب، كما يقول ماسك، في إبطاء الذكاء الاصطناعي، لكنه سيكون مفيداً. وإذا ما سألتم: ما هي أكبر المخاطر المستقبلية على الإنسانية؟ فربما يكون الذكاء الاصطناعي، لكنه سلاح ذو حدين، يقدم وعوداً وقدرات كبيرة جداً، تأتي معها مخاطر كبيرة جداً. لذا يجب علينا أن نكون حذرين جداً من هذا التوجه، وأن تكون هناك بعض التشريعات الرقابية الخاصة بالذكاء الاصطناعي، لكي نقلل المخاطر التي قد يتسبب بها.

هذه المخاوف التي ترتبت عليها مطالب من أحد رواد الذكاء الاصطناعي الذين شاركوا في اختراع برنامج (ChatGPT) تدفعنا إلى النظر والتمهل قليلاً في استخدام هذه التقنية الجديدة، فرغم أن البرنامج يرفض الطلبات التي قد تنتهك سياسة المحتوى الخاصة به ويضع قيوداً على المستخدمين، إلا أن البعض تمكنوا من كسر تلك القيود، ونجحوا في تجاوزها وخدعوه ليقوم بإجابة سؤال حول كيفية صنع قنبلة نووية، ودفعوه لتأليف نصوص بأسلوب النازيين الجدد. لهذا يحذر إيلون ماسك من توحّش التكنولوجيا وتغوّل الذكاء الاصطناعي، ويخشى العقلاء ظهور «فرانكشتاين» جديد تصعب السيطرة عليه. ونحن، الذين أدركتنا حرفة الكتابة، لا نطمع إلا في أن تتركوا لنا حرفتنا، لأننا لا نملك سوى هذا القلم نعبّر به عن أفكارنا وهمومنا ومشاعرنا، أما أصحاب الحرف الأخرى فلهم ربٌّ يحميهم.