يُعد «تيك توك» واحداً من أكثر التطبيقات استخداماً في الغرب، وبات جزءاً لا يتجزأ من ثقافة جيل جديد من الشباب. لقد تجاوز عدد مستخدمي التطبيق حالياً مليار شخص حول العالم، وتذهب التقديرات إلى ما يزيد على 10 مليارات دولار قيمة الإيرادات الإجمالية التي يحققها.

ورغم كل هذه الأرقام الخرافية، بات التطبيق ومالكته، وهي شركة «بايت دانس» الصينية المتخصصة في تقنيات الإنترنت، مجدداً في مواجهة عاصفة جيوسياسية عاتية، ذلك أن الحكومات في الولايات المتحدة، كندا وأوروبا أطلقت حملة قيود جديدة على استخدام «تيك توك»، بل وتبحث جدياً حظر استخدامه بصفة كلية، لمخاوف من كون الصين وأجهزتها تستخدمه لتجميع بيانات عن الغرب.

لقد بدأت المخاوف حيال تهديدات الأمن القومي تتصاعد بشكل هائل في الولايات المتحدة منذ أن استحوذت «بايت دانس» على التطبيق ذي الشعبية الجارفة «Musical.ly» في عام 2017، مقابل مليار دولار، ودمجته مع «تيك توك»، كي تلبي متطلبات القاعدة المتنامية لمستخدمي التطبيقين من الشباب حديث السن في الولايات المتحدة.

لقد فتحت «لجنة الاستثمار الخارجي» في الولايات المتحدة تحقيقاً حول هذا الاستحواذ في 2019، وبعد بضعة أشهر فقط من قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بوضع المجموعة الصينية العملاقة للاتصالات، «هواوي»، على «قائمة الكيانات المحظورة»، ما حد بصورة هائلة من إمكانية المجموعة على ممارسة المجموعة لأعمال تجارية في الولايات المتحدة، وذلك بحجة أن شبكة الاتصالات التي تمتلكها «هواوي»، والتي تنتمي إلى الجيل الخامس من شبكات الاتصالات، تشكل تهديداً على الأمن القومي الأمريكي. وبينما تصاعدت شعبية «تيك توك» عام 2020، تعهد ترامب آنذاك بحظره، معللاً ذلك بمخاوف من إمكانية أن تستخدمه الحكومة الصينية لإنشاء ملفات للبيانات الشخصية للمواطنين الأمريكيين بغية ابتزازهم، وكذلك للتجسس على الشركات الأمريكية.

أوامر تنفيذية

ونال كبار المسؤولين التنفيذيين في «بايت دانس» قسطاً مؤقتاً من الراحة في يونيو 2021، عندما ألغى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، سلسلة من الأوامر التنفيذية التي كان سلفه، ترامب، أصدرها بشأن حظر مجموعة من التطبيقات الصينية، ومنها «تيك توك». والآن، ومع تصاعد التوتر بين الصين والولايات المتحدة، عاد «تيك توك» إلى صدارة قائمة أهداف المشرعين الأمريكيين، وبالتبعية الغربيين، المتعلقة بحظر الاستخدام. لقد منح «البيت الأبيض» الهيئات والوكالات الفيدرالية الأمريكية هذا الأسبوع مهلة 30 يوماً للتأكد من إزالة «تيك توك» تماماً من كافة الأجهزة الأمريكية. وعلاوة على ذلك، أمر ما يزيد على نصف الولايات الأمريكية مسؤوليها بفعل الشيء نفسه.

وكانت السلطة التنفيذية ضمن «الاتحاد الأوروبي» وأيضاً «البرلمان الأوروبي» أمرت موظفيهما الشهر الماضي بحظر استخدام التطبيق، وأصدرت الحكومة الكندية نفس الأمر لموظفيها. وكان رد فعل «تيك توك» على هذه القيود أن وصفتها بأنها «مضللة».

والأربعاء الماضي، مررت «لجنة الشؤون الخارجية» لدى «الكونغرس» الأمريكي، مشروع قانون إذا جرى إقراره، سيمنح بايدن سلطة حظر «تيك توك» تماماً في أمريكا. وعارض أعضاء اللجنة من «الحزب الديمقراطي» مشروع القانون.

وسواءً مر مشروع القانون إلى بايدن أم لم يمر، فقد وصلت الرسالة إلى بكين من الصقور ومفادها: «مثل «هواوي» من قبل، فإن «تيك توك» خطر أيضاً ويتعين ِإيقافه».

ومع اتخاذ كندا و«الاتحاد الأوروبي» نفس الموقف المتشدد حيال «تيك توك»، فقد بات مستقبل التطبيق على المحك، وصارت هناك علامات استفهام كثيرة حول مستقبله بعد القيود الهائلة التي فرضتها السلطات الغربية عليه. وبات مستقبل «تيك توك» مرهوناً بنجاحه في إقناع الغرب بأنه ليس أداة للتجسس في أيدي بكين. وستكون أول خطوة في مساعي الإقناع عند وقوف، شو زي، الرئيس التنفيذي لشركة «تيك توك» أمام «الكونغرس» في نهاية مارس الجاري، لإقناع أعضائه بأن المنصة تحمي البيانات الشخصية للأمريكيين ولا تتجسس عليها. فهل ينجح في ذلك؟ فلننتظر ونرى.

*كاتبة متخصصة في شؤون مواقع التواصل الاجتماعي لدى صحيفة «فاينينشال تايمز» البريطانية.

 

المقال منشور في «فاينينشال تايمز».

ترجمة بتصرف: سيد صالح