بين يديّ الكتاب الذي أصدرته بلدية دبي عام 2015 تحت عنوان (بلدية دبي: وثائق تاريخية). في الكتاب وثيقة تتعلق بمجلة «أخبار دبي» التي صدر العدد الأول منها بتاريخ 16 يناير 1965م، وكان على شكل نشرة «تابلويد» شهرية من 6 صفحات، تتضمن أخبار حاكم دبي، وبعض الأخبار ذات العلاقة ببلدية دبي، التي كانت تصدرها، بالإضافة إلى بعض الموضوعات الأخرى. وقد تطورت بعد ذلك فتحولت إلى مجلة أسبوعية تصدر في أكثر من 80 صفحة، تتضمن أخباراً وتحقيقات وموضوعات ومقالات، وأدخلت الألوان على صفحاتها للمرة الأولى في تاريخ الصحافة الإماراتية. فيها نشر لأول مرة، ومنها تخرج الكثير من كُتّاب الإمارات، الذين أتشرف بأنني كنت واحداً منهم.

هذه الوثيقة ربما تفسر لنا التحول الذي حدث في مسار المجلة كي تصل إلى هذا المستوى، إذ يبدو أن هناك من وجّه ملاحظات لإدارة تحرير المجلة، مطالباً بأن تكون في مستوى مجلة «العربي» الكويتية وغيرها. لهذا جاء في الوثيقة، التي هي رسالة مؤرخة في 25 /6 /1970م، وموجهة من إدارة تحرير المجلة إلى مدير البلدية، الآتي:

«نظراً لما يتردد من أقوال كثيرة متباينة حول مجلة أخبار دبي، ما بين مؤيد لها ومقدّر للظروف التي تحيط بإصدارها، أو مطالب بأن تكون في مستوى مجلة العربي وغيرها، فإنني أرجو أن أعرض لسيادتكم صورة كاملة عن وضع المجلة المادي والفني، والذي تخرج المجلة بشكلها الحالي ضمن إطاره، وعن المتطلبات اللازمة لتطويرها لتصبح في مستوى ما يطلبه القراء».

ثم تمضي الرسالة شارحةً الصعوبات التي تواجهها، من ناحية عدم توفر الإمكانات الفنية، كدور الطباعة، وعدم تعاون الدوائر الأخرى مع المجلة لمتابعة أخبارها أولاً بأول، وعدم توفر العدد الكافي من الموظفين للمساعدة في إصدارها بشكل مقبول، حيث لا يوجد بها سوى محرر واحد غير متفرغ. ثم تتساءل قائلة: «وبعد هذا وذاك، يريدون أن تخرج المجلة كالعربي التي لا تقل أسرة تحريرها عن المائتي متفرغ، ولا تطبع إلا على أحدث دور الطباعة العالمية». وتخلص إلى الآتي:

من هنا لا بد من اختيار أحد أمرين: مواصلة إخراجها بشكلها الحالي «غير المرضي» أو تطويرها بشكل لا يقل عن الشروق أو الدوحة أو العروبة مثلاً، وهذا يتطلب ضمان ما يلي:

- رصد موازنة للمجلة بمعدل خمسة آلاف ريال للعدد، وتحديد كيفية إصدارها شهرياً أو دون ذلك.

- التفاوض مع إحدى دور الطباعة في الخارج – الكويت أو بيروت – كمطبعة مقهوي أو مطبعة الرسالة في الكويت.

- التفاوض مع دار للتوزيع لتعميمها في مختلف البلاد العربية والإمارات الشقيقة.

- تعيين موظفَين آخرَين متمكنَين في هذا المجال، وبراتب يمكنهما من أداء عملهما.

- الموافقة على دفع أجور ومكافآت للكُتّاب الذين يتعاونون مع المجلة، لضمان تعاون القراء.

على هذا النحو مضت الرسالة تسرد مطالب إدارة تحرير المجلة، التي علّق عليها المسؤول الموجهة إليه، والذي يبدو من السياق أنه مدير البلدية، قائلاً: «مذكرة وافية جداً، ولا أعتقد أنني أستطيع زيادة أي شيء عليها. سأحاول بحث ما جاء بها مع رئيس البلدية عند عودته لأنني فعلاً توّاق لأن أرى المجلة في غير شكلها الحالي من ناحية الإخراج والأسلوب والموضوعية، ولا بد من معرفة رأي سمو الحاكم المعظم، وحسب توجيه سموه ستسير المجلة».

انتهت الوثيقة المنشورة في الكتاب، ولكن يبدو أن مدير التحرير أراد أن يشرك قراء المجلة في الأمر، فكتب في العدد الرابع من السنة الخامسة تحت عنوان «نحن والقراء» قائلاً: «إن بلداً يخطو بقفزات وثابة نحو التطور والتقدم والنهضة المباركة، ويُعتَبر درة المنطقة وتاجها الجميل، لا بد وأن يخوض التجربة، وليست مجلة أخبار دبي إلا خطوة أولى على طريق العمل الإعلامي ستتبعها خطوات أخرى وثابة وكبيرة، نستفيد منها في التجربة التي هي ليست مجرد عمل يخرج عفوياً، بقدر كونها جهداً مضنياً يتطلب الكثير الكثير من العمل المتواصل الجاد، والتعاون المثمر البناء، ولا يستقيم عمل بلا تعاون أو دعم أو مشاركة».

طموح مجلة «أخبار دبي» وقتها كان يعانق الوصول إلى مستوى مجلة «العربي» الكويتية العريقة، رغم فارق أقدمية الصدور والإمكانات المادية والتحريرية والطباعية الكبير بينهما، لكن هذا لم يمنع القائمين على المجلة من التطلع إلى ذلك قبل أكثر من 50 عاماً. وهذا يفسر لنا ما حققته دبي من نهضة وتقدم خلال سنوات قليلة، وهو طموح يتجدد دائماً، وينتقل بدبي كل يوم من مرحلة جميلة إلى مرحلة أجمل.