لم يصل العالم إلى خطورة حرب نووية منذ نهاية الحرب الباردة، مثل المواجهة بين القوى الغربية وروسيا. وإعلان موسكو بأنها ستنشر قوات نووية تكتيكية في بيلاروسيا، على حدود الاتحاد الأوروبي، مثار للقلق الدولي، ولكن دخول الصين كطرف في المعادلة الحالية، أمر يخفف من قلق الدول الغربية، حيث إن حسابات الصين مختلفة، ولا تريد أن تتورط في مواجهات دولية.

حيث إن الصين دولة تريد أن تصعد كقوة اقتصادية لا مثيل لها في العالم. ولا تهتم كثراً بإدارة العالم، بل بالتوسع الاقتصادي، وتحقيق مستويات كبرى من النمو. الوضع الحالي ليس بخطورة المواجهة التي حصلت في كوبا قبل ستة عقود، حين حبس العالم أنفاسه لمدة ثلاثة عشر يوماً، من 16 إلى 29 أكتوبر 1962.

وقد نشر حديثاً المؤرخ مارتن شيروين، كتاباً بعنوان «رهان أرمجدون: الروليت النووي من هيروشيما إلى أزمة الصواريخ الكوبية». والكاتب اشتغل ضابطاً صغيراً في البحرية الأمريكية أثناء أزمة الصواريخ تلك، وكانت هذه الحرب، والتي لم تحصل، ستكون أفظع حرباً لو حدثت، والتوقعات أشارت إلى خسائر بشرية متوقعة بمئات الملايين، كما يقول الكاتب.

وكما هو معروف في الأزمة الكوبية، كان سببها المباشر نشر صواريخ نووية في كوبا قبالة الساحل الأمريكي، والذي يبعد حوالي 90 ميلاً، وقد أمر الرئيس الأمريكي حينها، جون كينيدي، بحصار بحري على الجزيرة، ودخلت المواجهة بين القطبين الكبيرين حد الهوة، وأصبح خطر اندلاع حرب نووية، متعلقة بشعرة.

والتصعيد لم يكن في البحر الكاريبي وحسب، بل كان في أوروبا أيضاً، حيث يتواجه الخصمان اللدودان في غربي وشرقي أوروبا. وأمُرِت القوات الأمريكية المرابطة هناك بتحميل الطائرات بأسلحة نووية، تكون جاهزة لضربة أولية ضد الاتحاد السوفييتي وحلفائه. وعلى ما يبدو، فإن كنيدي ونظيره السوفييتي، نكيتا خروتشوف، كانا على دراية بأن الأمر قد يفلت من أيديهم في لحظة، وأن أي خطأ من ضابط صغير، قد يؤدي إلى كارثة لا تحمد عقباها.

وفعلاً، حصلت حادثة كادت أن تؤدي إلى المحتوم، حين أسقط ضابط سوفييتي موجود في كوبا، طائرة استطلاع من نوع «U2»، وقتل قائد الطائرة الأمريكية، وطلب ضابط عسكري من الرئيس الأمريكي، في الشروع بعمل عسكري، رداً على إسقاط الطائرة.

وطالب آنذاك، الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، حلفاءه السوفييت، برد عسكري حاسم ضد ما أسماه الاستفزازات الإمبريالية الأمريكية، والاستعداد للدخول في حرب مدمرة لحماية كوبا، وكان خروتشوف يعاني الأمرّين في موسكو، لاحتمال اندلاع حرب نووية تؤدي بالعالم إلى نهاية مدمرة. وأرسل الزعيم السوفييتي رسالة إلى نظيره، يحثه على التريث، وتخفيض التصعيد، والذي سيؤدي حتماً إلى مواجهة نووية.

وكان كينيدي حيران في تصرفاته، وفقد الصبر من النصائح المتناقضة من أعوانه. كما أنه كان مستاء من كبار العسكريين، والذين يبدون عدم حساسية تجاه حرب قد تؤدي إلى قتل مئات الملايين من البشر، ومثل خروتشوف، كان الرئيس الأمريكي يصبو إلى نهاية سلمية لهذه المواجهة.

وبعد زيادة التصعيد، وصلت الأزمة حدها الفاصل، وكانت الخطوة التالية إعلان الحرب، أو إطلاق أول شرارتها. وفي 26 أكتوبر، بدأ الأمل في الحل يلوح فوق البحر الكاريبي، حيث تقبع الأساطيل لمواجهة عسكرية، إذ إن المعادلة التي يطلبها السوفييت، أزالت الأسباب للوجود العسكري النووي للاتحاد السوفييتي، بإعلان تعهد أمريكي بعدم غزو كوبا، وإزالة صواريخ جوبتير الأمريكية من إيطاليا وتركيا، مقابل إزالة الصواريخ السوفييتية المنصوبة في الجزيرة الكوبية.

وبدأت الأمم المتحدة آنذاك، تلعب دوراً لتقريب وجهات النظر، عبر أمينها العام يو ثانت، وبدأ العالم يتنفس الصعداء، بعد أن حبس أنفاسه، ووافق الطرفان على إزالة الصواريخ، وانتهت المواجهة بطريقة جنبت العالم كارثة، وانتهت المواجهة المميتة بين الطرفين، وحالهم يقول: «لقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب».

 

* كاتب وأكاديمي