بالنسبة لأي شخص ولد في دولة الإمارات أو حتى مقيم فيها، فإن عام 1971 له معنى خاص، حيث شهد ذلك العام تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وكان عام 1971 أيضاً عاماً محورياً لقطاعات الثقافة والتكنولوجيا والاقتصاد العالمية.

وفي العام نفسه، أطلق جون لينون أغنية «تخيّل»، ومنحت سويسرا المرأة حق التصويت في انتخابات الدولة، وأصدرت إنتل أول معالج دقيق في العالم، وافتتحت ستاربكس أول مقهى لها، وكان أول ظهور لمؤشر سوق الأسهم الجديد المسمى ناسداك المركب، وكان عام 1971 أيضاً هو العام الذي شرع فيه الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بإجراء التغييرات التي بدأت في إنهاء نظام بريتون وودز – وهو آلية تهدف إلى منع التخفيضات التنافسية وتعزيز النمو الاقتصادي الدولي من خلال ربط الدولار الأمريكي بقيمة الذهب. وسعت إدارة نيكسون من خلال ذلك إلى وضع ضوابط على الأسعار من شأنها معالجة «المعضلة الدولية المتمثلة في ارتفاع الذهب الذي يلوح في الأفق ومشكلة التضخم المحلية»، وقد نجحت على المدى القصير. ومع إغلاق نافذة الذهب، لم تعد الحكومات الأجنبية قادرة على استبدال دولاراتها بالذهب، بينما أدى تجميد الأجور والأسعار لمدة 90 يوماً إلى خفض التضخم دون زيادة البطالة أو إبطاء الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، أدى فرض رسوم إضافية بنسبة 10 في المائة على الواردات إلى حماية الإنتاج المحلي من أسعار الصرف غير المواتية.

 

من خلال إعادة إدخال نظام «فيات» (العملة الورقية) إلى احتياطي العملات العالمية، كان لأعضاء صندوق النقد الدولي الآخرين حرية اختيار أي شكل من أشكال ترتيبات الصرف التي يرغبون فيها، بعيداً عن الارتباط بالذهب، تاركين الجدارة الائتمانية والتحكم في كل عملة لحكوماتهم. وفي جانبها الإيجابي، وفرت عودة النقود الورقية مزيداً من الاستقرار من خلال منح الحكومات مزيداً من المرونة في الاستجابة للمتغيرات مثل السيولة والفائدة، مع تعزيز القدرات لحماية الاقتصادات من الأزمات المالية. كما أنها مكّنت الحكومات من زيادة العرض النقدي، مما ساعد على تحفيز النمو الاقتصادي، ولكن في الوقت نفسه، ربما تسببت في تضخم خطير.

 

في عاصفة مثالية من الانخفاض المنتشر لأسعار الفائدة، والاستثمارات القوية في السندات الحكومية مترافقة بالقوة نفسها مع ارتفاعات شديدة في أسعار الفائدة لترويض التضخم، وانهيار بنك وادي السيليكون في وقت سابق من هذا الشهر، وهو أكبر انهيار لبنك أمريكي منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وكذلك انهيار بنك سيجنتشر وبنك سيلفر جيت، وما أشار إليه أوين ووكر من صحيفة الفايننشال تايمز بشكل ملائم على أنه «زواج قسري» عبر إجبار البنك السويسري المتحد (UBS) فعلياً على الاستحواذ على كريديت سويس، كل ذلك ترك الكثيرين يتساءلون عن البنوك التي قد تكون التالية، وما إذا كانت أموالهم آمنة وما هو المخزن الذكي للقيمة خلال هذه الفترة التي تشهد تقلبات عالية؟

 

بالتأكيد، إذا نظرنا إلى الاتجاهات وفقاً لتقرير مجلس الذهب العالمي، فقد ارتفع الطلب على الذهب بنسبة 28 % على أساس سنوي في الربع الثالث من عام 2022 ليصل إلى 1181 طناً، مع طلبيات كبيرة قادمة من البنوك المركزية في العالم، مما يؤكد مرة أخرى على دور المعادن الثمينة كوسيلة فعالة للتحوط من التضخم. في الواقع، شهد عام 2022 أكبر عمليات شراء للذهب على الإطلاق في عام واحد منذ أن بدأ توثيق سجلات الشراء في عام 1950، حيث قامت البنوك المركزية وحدها بتدعيم مخزوناتها لتصل إلى 70 مليار دولار.

 

وفقاً لجون هاثاواي، الشريك الإداري والمحلل المالي الرئيسي في شركة سبروت ومدير أول المحافظ في شركة سبروت لإدارة الأصول – الولايات المتحدة الأمريكية، قد تكون للشهية الأخيرة التي أبدتها البنوك المركزية تداعيات أكثر خطورة على المدى الطويل. وكما نقل عنه في رسالة جديدة لسبروت، قال هاثاواي: «قوة الدولار هي سراب. إنها الصورة العكسية لضعف جميع العملات الورقية الأخرى. من وجهة نظرنا، قد تمثل كرة التحطيم للدولار الوقفة الأخيرة للعملات الورقية بشكل عام، التي تمثل جميعها إصدارات تتزايد باستمرار للتدهور المالي».

 

وفقاً للخبير المخضرم جيف رودس، الذي تتخذ شركته الاستشارية من المنطقة الحرة لمركز دبي للسلع المتعددة مقراً لها، «كان الشراء من القطاع الرسمي في عام 2022 هو الأعلى الذي يسجل في أي سنة تقويمية واحدة، وتشير الدلائل إلى عودة البنوك المركزية مرة أخرى للشراء بأي سعر منخفض، مع توقع بأن يصل الذهب إلى أعلى مستوى جديد على الإطلاق يتجاوز 2100 دولار هذا العام» – تصريح يدعمه بشدة الإعلان الأخير بأن بنك روسيا قد استأنف الكشف عن حجم الذهب النقدي كجزء من الاحتياطيات الدولية لروسيا. وبحسب البنك المركزي، فقد بلغ حجم الذهب في بداية شهر مارس 74.9 مليون أوقية (2330 طناً) بقيمة 135.6 مليار دولار، بحسب وكالة إنترفاكس.

 

بعيداً عن التكهنات، تعززت جاذبية الذهب بهدوء من منظور تنظيمي أيضاً. بموجب اتفاقية بازل 3، فإن البنوك لديها متطلب رأسمالي بنسبة 7 %، والذي يمكن استخدامه كاحتياطي في ظروف الضغط المالي. ويشمل هذا المتطلب الأصول السائلة عالية الجودة، أو الأصول التي تعتبر الأعلى جودة في النظام المصرفي، والتي تشمل الذهب بشرط التحوط في سوق العقود الآجلة. وكما قال روب كينتز: «حسب اعتقادي، من الممكن جداً أنه كلما اقتربنا من الانهيار المالي التالي، والذي لا أتوقع أن يكون بعيداً من الآن، تندفع البنوك والمؤسسات المالية إلى سوق الذهب لشراء كل ما يمكنها العثور عليه من سيولة المعادن. في الواقع، قد تكون عمليات الشراء هذه المرة أعلى بكثير لأنني أتوقع أن يتعرض الدولار ونظام السندات الأمريكي لضغوط شديدة خلال الأزمة المالية المقبلة».

 

ومع ذلك، حذر العديد من المستثمرين من اتباع هذا الاتجاه دون تحليل نقدي، فوفقاً لـغاري واتس، نائب الرئيس، والمستشار المالي في ويلث إنهانسمنت جروب (Wealth Enhancement Group): «قد يكون المستثمرون الآخرون والمؤسسات الأخرى قد فعلوا الشيء نفسه بالفعل، مما يؤدي عموماً إلى ارتفاع الأسعار. ثانياً، سيكون الوقت المثالي لبناء محفظة نموذجية وتخصيصها في الأوقات الأقل تقلباً وضغطاً عندما لا تتحكم العواطف في عملية صنع القرار، فالبحارة يقومون بإعداد وتجهيز قواربهم قبل العاصفة».

 

على العكس من ذلك، يعتقد آخرون أن «الذهب سيكون أفضل استثمار في عام 2023». بعد الكلمة الرئيسية التي ألقاها في مؤتمر دبي للمعادن الثمينة الذي نظمه مركز دبي للسلع المتعددة العام الماضي، لا يزال بيتر شيف متفائلاً، وذلك بفضل عوامل عدة.

 

«من الواضح أنني كنت متفائلاً لفترة من الوقت، ولكني الآن أكثر تفاؤلاً إلى أقصى حد ممكن، بناءً على ما يحدث، حيث سنعيش في بيئة عالية التضخم في المستقبل المنظور. لن تتراجع الأسعار إلى الصفر، لكنها ستظل سلبية بالقيمة الحقيقية».

 

وبمزيد من التروي، علق مؤسس ورئيس مؤسسة كيسي للأبحاث (Casey Research) دوج كيسي، قائلاً: «بسبب إمكانية ظهور حديث جاد عن إعادة التعامل به؛ لا تريد دول مجموعة بريكس استخدام الدولار ولسبب وجيه. والجمهور، الذي نسى أن الذهب موجود حتى، سيبدأ في شرائه، مدفوعاً بالخوف - الخوف من تدهور العملة، والخوف من مخاطر الطرف المقابل في الأسواق المالية. لذا فإن أداء الذهب المادي سيكون جيداً بالفعل في عام 2023. وستحقق شركات مناجم الذهب أداءً أفضل».

 

بالإشارة إلى محادثات دول مجموعة بريكس حول إنشاء عملتها الاحتياطية الخاصة بها لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي واليورو وعملة حقوق السحب الخاص لصندوق النقد الدولي، فإن من المرجح أن يعتمد الاحتياطي الجديد على سلة من عملات الاقتصادات الناشئة في البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، مع دول مثل مصر وتركيا والجزائر، وأخيراً أبدت المملكة العربية السعودية اهتمامها أيضاً. استناداً إلى حقيقة أن ارتفاع الذهب الذي أشار إليه مجلس الذهب العالمي مرده أن الذهب تم شراؤه بشكل أساسي من قبل البنوك المركزية للدول نفسها، فليس من المستبعد أن تكون العملة الجديدة مدعومة بالذهب، وعلى الأقل، تظهر بالتأكيد الرغبة في التنويع بعيداً عن الدولار.

 

كما لخص فيليب بيلكنجتون الأمر بنظرة ثاقبة، «ربما لا يوجد مخطط وراء الاندفاع الحالي نحو الذهب، ولكن يمكن قراءته بالعودة إلى الماضي كبداية لتطور نظام نقدي عالمي جديد. قد تكون هذه هي الخطوة الأولى نحو إعادة تشكيل المشهد، حيث تحاول الدول في جميع أنحاء العالم إيجاد بدائل للدولار. ويتعلم الغرب درساً صعباً وأساسياً يتمثل في أن الأنظمة المالية مبنية على الثقة، وإذا تم استخدامها كسلاح، فإنها تفقد الثقة المطلوبة للحفاظ على هيمنتها».

 

وفقاً لمؤشر ناسداك، فإن «مجموعة بريكس» لديها حوافز اقتصادية وسياسية جيدة على المدى الطويل لتقليل الهيمنة العالمية للدولار، حيث تمثل دول بريكس 40 % من سكان العالم وثلث الاقتصاد العالمي من حيث معادل القوة الشرائية، ومع المملكة العربية السعودية، سيكون لدى بريكس اثنان من أكبر منتجي النفط - المملكة العربية السعودية وروسيا، واثنان من أكبر مستهلكي النفط - الصين والهند، مما يزيد من إمكانية تسعير مبيعات النفط المتبادلة بالعملات المحلية».

 

حتى بمعزل عن دول بريكس، تم بالفعل ذكر «الروبل الذهبي 3.0» من قبل مصادر موثوقة، مستشهدة بالفائض التجاري لروسيا، والاتجاه المتزايد للتسويات بالعملات «الناعمة» ووضع روسيا باعتبارها الدولة الثالثة التي تستخدم اليوان في المدفوعات الدولية. ووفقاً لوسائل الإعلام الروسية، فقد تجاوز زوج عملتي اليوان/ الروبل في بورصة موسكو بالفعل الدولار/ اليورو من حيث حجم التداول اليومي.

 

ومع ذلك، فإن أي وضع قد يؤدي إلى زوال البترودولار على المدى الطويل يمكن أن يكون بمثابة حافز للتراجع عن السياسة الأمريكية والعودة إلى معيار الذهب، وبالتالي الحيلولة دون إضعاف موقفها في الساحة العالمية، مع حماية مكانة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية في العالم. رغم ذلك، لا تزال الولايات المتحدة أكبر حائز للسبائك في العالم، حيث يصل احتياطيها إلى أكثر من 8000 طن - تقريباً الكمية نفسها التي تملكها الدول الثلاث التالية الأعلى من حيث الاحتياطي مجتمعة.

 

في النهاية، بغض النظر عن النتيجة، فإن من المحتمل أن يكون الذهب، على الأقل، استثماراً آمناً، وربما يحقق أداءً قوياً، وعلى الرغم من أنه قد لا يقدم نوعاً من المكاسب الهائلة لسوق الأسهم المزدهرة، إلا أنه يظل مخزناً ثابتاً للقيمة.

 

يبقى أن نرى ما إذا كان الذهب سيلعب دوراً أكثر أهمية في مستقبلنا المالي الجماعي، حيث تنجذب قائمة متزايدة من الدول نحو مناخ أكثر إنصافاً لا يتحكم به بشكل كامل الدولار كسلاح، أو كدرع يمثل ملاذاً أخيراً للهيمنة الأمريكية.

* الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة