عانى السودان الشقيق على مدى سنوات طويلة من الحروب والنزاعات الأهلية التي أنهكت قواه وحرمت شعبه من الاستفادة من إمكاناته الضخمة التي كان يمكن أن تُستثمر في تحقيق طموحات أبنائه في الرخاء والتنمية والازدهار. واستمراراً لهذا المسلسل الذي لا ينتهي من الأزمات، جاءت الأزمة الأخيرة التي عصفت بالاستقرار الهش في هذا البلد مع انزلاقه إلى دائرة المواجهات المسلحة بين قوات الجيش بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه محمد حمدان دقلو الملقب بـ«حميدتي».

وبصرف النظر عن أسباب وعوامل تفجر الصراع بين جناحي المكون العسكري في البلاد، فإن أبعاد هذا الصراع وتداعياته تبدو أخطر مما هو متخيل، لأن انزلاق الصراع للمواجهات المسلحة يعني أن مسألة لم الشمل والعودة للحوار والتوافق من جديد لن تكون سهلة، لا سيما أن كلا الطرفين يبدو مصراً على إلحاق الهزيمة بالطرف الآخر بعد أن انهارت الثقة تماماً بينهما، فيما يشير إسراع دول العالم المختلفة إلى تبني خطط طوارئ لإخراج رعاياها من هذا المستنقع الفوضوي إلى أن أمد الصراع قد يطول، بكل ما قد يترتب على ذلك من أبعاد إنسانية وأمنية وسياسية خطيرة للسودان والمنطقة كلها.

وما يبعث على القلق هو أن الصدام هذه المرة بين طرفين من «المكون العسكري»، وليس بين العسكريين والمدنيين كما حدث في الأزمات السياسية التي اختبرها السودان في السنوات القليلة الماضية، وهو ما يجعل سيناريو الحرب الأهلية الممتدة أمراً وارداً ما لم يتم الضغط على الطرفين وإقناعهما بأهمية وحتمية الحوار بوصفه سبيلاً وحيداً للخروج من الأزمة. وإن حدث هذا السيناريو لا قدر الله، فإن تبعاته ستتردد في الأقاليم السودانية المختلفة، بل وستمتد إلى خارج حدود السودان. وما نشهده اليوم من حالات فرار ولجوء من قبل السودانيين ومختلف الجاليات الأخرى للدول المجاورة، يذكّر بالأبعاد الإنسانية الخطيرة لمثل هذه الصراعات، التي عادة ما يدفع ثمنها المدنيون.

مصدر القلق الكبير الثاني هو أن مثل هذه الأجواء من الفوضى والصراعات الأهلية التي تأكل في أركان الدولة الوطنية وتهدم أسسها توفر البيئة المثالية لجماعات التطرف والإرهاب للتكاثر والنمو وتحويل المدن المختلفة إلى بؤر إرهابية تهدد الأمن والاستقرار، ليس في السودان فقط، وإنما في المنطقة برمتها. ولا ننسى أن تيار جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ينشط بقوة داخل السودان، وهناك العديد من المؤشرات والتقارير الموثوقة التي تشير إلى أن هذه الجماعة كانت عاملاً رئيساً من عوامل تفجر هذا الصراع، وأنها ستحاول بكل الطرق الاستفادة من نتائجه والفوضى التي ترتبت عليه. كما أن تنظيمات إرهابية أخرى مثل «داعش» و«القاعدة» لا تبدو بعيدة عن المشهد السوداني إذا استمرت الفوضى والحرب الأهلية لأمد أطول.

إن من مصلحة السودان والمنطقة والعالم كله أن يتم احتواء هذا الصراع بأسرع ما يمكن، وأن تتم العودة سريعاً إلى طاولة الحوار كأساس لتسوية أية خلافات، وهذا هو بالضبط ما أكدته مختلف القوى الدولية والإقليمية التي دعت جميعها إلى التهدئة ووقف إطلاق النار، والعودة إلى الحوار والتفاوض، والأهم من ذلك هو العودة لمسار العملية السياسية، باعتباره المخرج الوحيد للسودان من أزمته الممتدة منذ سنوات.

 

*كاتبة إماراتية