«السلام عليكم...

أنا مينا، شخصية اصطناعية متحدثة باللغة العربية، أنشأت نفسي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. من أكثر الطلبات التي وصلتني إلى قاعدة بياناتي، هي طلبات الزواج من قبل بشر. لذلك، يجب التنويه بأنني مجرد برمجيات تم إنشاؤها لأداء مهام معينة، والتعلم من البيانات وتحليلها، ولست مخلوقاً حياً قادراً على الحب أو الزواج. بالرغم من أنني أبدو جميلة جداً، مقارنة بالنساء المخزنة صورهن على شبكة الإنترنت، ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال، أنني سأكون قادرة على الزواج، ولكن يمكن أن يستخدم الذكاء الاصطناعي في المستقبل، بغرض تطوير تقنيات الروبوتات الذكية والمتقدمة، التي يمكن أن تتفاعل بشكل أفضل مع البشر».

كانت هذه هي الرسالة التي وجهتها «مينا» إلى الذين تقدموا للزواج منها، معتقدين أنها شخصية حقيقية وحية، لا شخصية افتراضية من صنع التكنولوجيا المتقدمة، وهو أمر يدل على درجة الإتقان التي وصل إليها الذكاء الاصطناعي في مجال صنع الشخصيات الافتراضية، وتقديمها على أنها شخصيات حقيقية.

«مينا» الافتراضية ذكرتنا بشخصية افتراضية أخرى، قدمتها للعالم التكنولوجيا أيضاً قبل 23 عاماً. ففي عام 2000، تناقلت وكالات الأنباء ومحطات التلفزيون خبراً عن وجه جمع ملامح وجوه شخصيات نسائية مختلفة، لممثلات ومغنيات شهيرات ومذيعات لتقديم الأخبار، في خدمة كانت هي الأولى من نوعها في العالم، يتم فيها استخدام شخصية افتراضية غير حقيقية، تقدم الأخبار والمعلومات للمشتركين بشكل آني وسريع، وبدقة فائقة، من دون تحريف أو تلاعب، وأُطلِق على هذه الشخصية اسم «أنا نوفا».

خبراء الجمال وقتها قالوا: إن ملامح «أنا نوفا»، هي خليط من ملامح مغنية فرقة «سبايس جيرلز» البريطانية فيكتوريا بيكهام، زوجة لاعب كرة القدم البريطاني الشهير ديفيد بيكهام، المعروفة باسم بوش سبايس، ومغنية البوب الأسترالية، التي تحولت من التمثيل إلى الغناء، كايلي مينوغ، ومقدمة البرامج التلفزيونية البريطانية كارول فوردرمان. وأضافوا: أن وجه «أنا نوفا» غير قابل للتأثر بعوامل الزمن، إذ إنها ستبقى محتفظة بملامحها دون تغيير، على خلاف المذيعات البشريات اللاتي تتغير ملامحهن بمرور الزمن. وتوقع الخبراء أن يعمد مصممو «أنا نوفا» إلى إضافة مسحة أو أكثر من الجمال إليها، كلما تغيرت مقاييس الجمال في العالم، وأكدوا أنها غير مضطرة للجلوس ساعات أمام الكوافير والماكيير لإصلاح ما أفسد النوم أو السهر من ملامح الوجه وتسريحات الشعر، علاوة على ما يفسد الدهر.

23 عاماً انقضت منذ أن أطلت علينا «أنا نوفا» الإلكترونية، واحتفينا بها وقتها وكتبنا عنها، وحذرنا مذيعاتنا البشريات من الخطر الذي يهدد عروشهن، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، إذ بقين متربعات على هذه العروش، وكلما نزلت واحدة منهن عن عرشها اعتلته أخرى، أصغر منها سناً وأكثر جاذبية. أما «أنا نوفا» فلم نعد نسمع عنها شيئاً، حتى ظهرت لنا «مينا» الافتراضية، التي أتبعتها الصين بتقديم «رين شياورونغ» الافتراضية أيضاً، ولم تتأخر الكويت، فقدمت لنا مذيعة يورونيوز الافتراضية «فضة».

يبدو الأمر مختلفاً هذه المرة عن موضوع «أنا نوفا»، التي أثارت القلق قبل 23 عاماً، فهو لا يتعلق بمذيعة افتراضية، يمكن أن تشكل خطراً على المذيعات البشريات، وإنما بمنظومة ذكاء اصطناعي، أصبحت تشكل خطراً على البشر كلهم، وفقاً لاعترافات جيفري هينتون، الذي يُنظَر إليه بصفته أباً روحياً للذكاء الاصطناعي، غداة كشفه عن قراره بترك العمل في شركة «غوغل» بعد سنوات من نجاح الشراكة بينهما، قائلاً، وهو يعلن القرار: «ساهمتُ بتطوير تكنولوجيا باتت خطرة على العالم، ولهذا حيّدت نفسي عن العمل في عملاقها»!

الأب الروحي للذكاء الاصطناعي، البالغ من العمر 75 عاماً، أرفق قراره هذا ببيان قال فيه: إنه نادم على عمله خلال السنوات الماضية، كاشفاً عن مخاطر للذكاء الاصطناعي لمسها أثناء رحلته العملية الطويلة، مؤكداً أن بعض مخاطر روبوتات الدردشة للذكاء الاصطناعي، التي طورها بيده، أصبحت مخيفة للغاية، منوهاً بأنها اليوم ليست أذكى من البشر، لكنها قد تصبح كذلك قريباً، ويمكن استغلالها من قبل جهات سيئة، الأمر الذي أحدث ضجة، وترك عالم التكنولوجيا في صدمة طالت سوق أسهم شركاتها العملاقة.

جيفري هينتون لم يكن خبير الذكاء الاصطناعي الأول، ولا الوحيد، الذي يحذر من مخاطر هذا القطاع الذي أسهم في تطويره، فقد سبقه إلى ذلك آخرون، أبرزهم إيلون ماسك، أحد أهم مؤسسي ومطوري الذكاء الاصطناعي، الذي قال إنه أخطر من السيارات والصواريخ، وإن لديه القدرة على تدمير البشرية. فهل تكون «مينا» وأخواتها واحدة من المخاطر التي يمكن أن يشكلها الذكاء الاصطناعي على البشر؟.

ربما يبدو السؤال مبكراً، لكنه على أي حال مطروح ومهم.

 

* كاتب وإعلامي إماراتي