تعيش المنطقة العربية مزيجاً من التحديات الإقليمية والدولية، وتستدعي هذه التحديات كلها تصحيح التوازنات في المنطقة من خلال قيام تضامن عربي شامل وسليم يضع الأسس المتينة للعلاقات بين الدول العربية، وبينها وبين سائر دول الجوار.
ولن يتحقق هذا التضامن العربي الفعّال ما لم تحصل رؤية عربية مشتركة لكيفية معالجة الأزمات المشتعلة عربياً في أكثر من مكان، ولكيفية التعامل مع دول الجوار الإسلامي.
ففي ظلّ غياب هذه الرؤية العربية المشتركة، حصل تمدّد النفوذ الأجنبي في المنطقة، وتعززت فرص الحروب الأهلية التي تحرق الأخضر واليابس معاً في معظم أرجاء المنطقة.
هي مسؤولية عربية مشتركة الآن خلال القمة العربية التي تستضيفها المملكة العربية السعودية اليوم، حيث من الضروري أن تقف الحكومات العربية على أرضية واحدة من المواقف. ومن المهم اعتماد المصلحة العربية المشتركة لا المصالح الفئوية كمعيار للتصنيف، فقد ثبت حتى الآن من تجارب السنوات الثلاثين الماضية، أن المصلحة الفئوية تتحقق آنياً ولفترة محدودة، ثم ترتد إلى الوراء بحكم تداخل قضايا المنطقة وتداعياتها المتلاحقة وتأثيراتها الشاملة.
وحينما يخرج موقف عربي موحد من رؤية عربية مشتركة، فإن «النفوذ الأجنبي» سيتقلص لصالح دعم هذا الموقف العربي لا أن يكون بديلاً عنه كما هو واقع الحال اليوم.
فهل كان من الممكن لواشنطن أو غيرها من عواصم دولية وإقليمية فاعلة في أزمات المنطقة الآن أن تصادر دور الإرادات الوطنية لو كان هناك حدّ أدنى من التضامن العربي والرؤية العربية المشتركة لصيغ الحلول المنشودة لهذه الأزمات؟ فغياب التضامن العربي هو المسؤول الأول عن تحوّل أطراف محلية إلى وكلاء لإرادات خارجية.
إن استقلالية القرار الوطني في أي بلد عربي هي متأثرة حكماً باستقلالية القرار العربي عموماً. وهناك الآن مزيج من الضغوط الأمريكية والأجنبية تمارس لمنع حدوث الأمرين معاً، أي أن لا تكون هناك إرادة عربية مشتركة تعبّر عن قرار عربي مستقل، وإلى دفع الأطراف المحلية أيضاً إلى مزيد من الارتهان السياسي والأمني الذي يعطل فاعلية أي قرار وطني مستقل.
التضامن العربي الفعال على المستوى الرسمي بحاجة أيضاً إلى تدعيم الوحدة الوطنية الشعبية في كل بلد عربي، فبذلك التضامن الرسمي والوحدة الشعبية يمكن مواجهة مخاطر الهيمنة الإقليمية والدولية!
المؤسف في واقع حال الأوضاع العربية السائد منذ عقد من الزمن أن الشعوب عجزت عن تحقيق التغيير في الاتجاه السليم الذي تأمل به، وأن حكومات عدة دول عربية فاعلة تباعدت فيما بينها مما جعل الحكومات والشعوب ومصائر الأوطان مرهونة لإرادات خارجية.
عدة عناصر سيطرت على الواقع العربي في العشرية الماضية، وكل منها يؤثر ويتأثر بالعنصر الآخر، منها غياب التضامن العربي، وزيادة حضور الدور الأجنبي في تقرير مصير الشؤون الداخلية العربية وتدويل بعض هذه الأزمات.
إن الإرادة الوطنية الحرة هي الأساس لاستقلالية القرار الوطني. والقرار الوطني المستقل هو الذي يجلي صورة المصالح الوطنية ويجعلها هي المعيار في المواقف لا المصالح الفئوية لحكم أو فصيل أو حزب.
وحينما تنظر الأطراف العربية بعيون عربية، وليس أجنبية، إلى ما يحدث على أرضها وحول أوطانها، فإنها حتماً ستصل إلى حتمية التضامن العربي وأولوية المصالح الوطنية.