أكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قبيل عقدها، أن «قمة مجموعة السبع (…) ليست ولن تكون قمة مواجهة» مع الصين وشدد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في بداية انطلاق أشغال هذه القمة، أن بلاده «تريد عالماً خالياً من السلاح النووي».

وأكد البابا فرنسيس في رسالته إلى أسقف أبرشية هيروشيما (مكان انعقاد القمة) أنه في عالم متعدد الأقطاب، من البديهي أن يتم البحث عن السلام في ارتباط وثيق بالحاجة الماسة إلى الأمن في العالم والتفكير في الوسائل الناجعة لضمان ديمومة هذا الأمن، الذي ينبغي أن يكون متكاملاً وقادراً على أن يشمل كل الملفات التي من بينها الغذاء والمياه، واحترام البيئة والرعاية الصحية وموارد الطاقة والتوزيع العادل لخيرات الأرض، وذلك على أساس الترابط العميق بين كل تلك الملفات، وهو ما يتطلب تبني مقاربة من التعاون المسؤول والمتعدد الأطراف.

من جهة أخرى دعا عدد من القادة العسكريين والمسؤولين الدبلوماسيين بينهم ستة رؤساء سابقين القوى النووية الأربعاء إلى طرح خلافاتها جانباً وبحث تدابير لضبط الأسلحة النووية.

كان هذا هو المأمول المنتظر من قمة دول السبع التي انعقدت في مدينة هيروشيما اليابانية والتي شهدت في أغسطس 1945 حالة دمار شامل بسبب إلقاء قنبلة نووية أمريكية عليها، لكن نتائج هذه القمة جاءت بحسب المراقبين مخالفة لهذا المأمول ولتلك التوقعات.

انعقدت قمة الدول السبع التي ضمت قادة دول بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحضور عدد من الضيوف بينهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، وذلك في محاولة واضحة لتوسيع الحلف المناهض لروسيا والصين، انعقدت هذه القمة ما بين 19 و21 مايو 2023 في مدينة هيروشيما اليابانية ذات الثقل الرمزي في علاقتها بالمسألة النووية، وأسفرت عن اتخاذ قرارات مهمة لضمان مواصلة تقديم الدعم العسكري «الضروري» لأوكرانيا في حربها طويلة الأمد مع روسيا، وثانياً تم الاتفاق على مبدأ محاصرة الاقتصاد الصيني والتصدي غير المعلن صراحة «للنفوذ الصيني المتزايد حول العالم» من خلال إيجاد سياسة أو آلية تعزز هذا التصدي، وهو الأمر الذي يبدو أنه ما زال محل خلاف، وثالثاً تم الاتفاق على الإجراءات المتعلقة بحلف شمال الأطلسي (الناتو) في حال تعرّض أحد أعضائه لعدوان محتمل.

ويتجه الرأي إلى أن قمة هيروشيما وضعت حجر الأساس لسد المنافذ أمام قيام عالم متعدد الأقطاب والمصالح وذلك من خلال مواصلة عملية التدمير الممنهج للاتحاد الروسي والاتفاق المبدئي على تضييق الخناق على الاقتصاد الصيني.

ففي حين كان المقصود من العقوبات المفروضة على روسيا، حملها على الانسحاب من أوكرانيا وإجبارها على قبول التفاوض، بدأ يتأكد أن نظام العقوبات الأمريكية والغربية يهدف إلى إضعاف وتدمير الاقتصاد الروسي بما قد يسهم في إسقاط نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وكذلك الأمر في ما يتعلق بالصين التي تشير كل المؤشرات أن اقتصادها يحلق عالياً وهو ما لا تقبل به بالطبع الولايات المتحدة مهما كانت طبيعة هذه الإدارة الأمريكية، وهو الأمر الأساسي الذي يفسر كل سياسات ومواقف الصين في ما يتصل بالأزمة الأوكرانية وبغيرها من النزاعات والأحداث.

بدا من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تستعمل بمهارة كبيرة الورقة الأوكرانية وما تصر على تسميته بـ«الخطر الروسي على الديمقراطية»، من أجل الضغط على حلفائها لجرهم إلى تبني مواقفها بخصوص محاصرة تمدد النفوذ الاقتصادي والسياسي الصيني الذي تعتبره بالفعل خطراً داهماً على مصالحها القومية.

وبالنتيجة يبدو أن الاتجاه العام هو نحو التصعيد الذي بدأت ملامحه تكبر، رئيس أوكرانيا يجوب العالم من أجل حشد التأييد والسلاح لحرب وُجدت لتدوم حتى تحقيق أهدافها الأساسية المعلنة وغير المعلنة، جو بايدن يعطي الضوء الأخضر لمزيد تسليح أوكرانيا هجومياً ويعتبر شبه جزيرة القرم أوكرانية وهو ما تعتبره روسيا خطاً أحمر، الاتفاق على مبدأ حصار الاقتصاد الصيني، حلف الناتو يستعد هو الآخر لمواجهة «مجهولٍ» معلوم!

يبدو إذن أن الغرب الليبرالي أقرّ العزم وحسم أمره بأن المسألة الديمقراطية تعلو على غيرها من المسائل وبالخصوص المسألة الوطنية والقومية وهو مستعد للمواجهة على هذا الأساس.

أحد السياسيين التونسيين من العهود السابقة كتب في تدوينة له «اكتملت كل عناصر ديكور الحرب الكونية الثالثة، ولم يبقَ سوى إشعال الفتيل».