يعتبر الاستقرار من أهم القضايا الجوهرية التي تشغل اهتمام الأفراد والمجتمعات، لارتباطه المباشر بالحياة البشرية، وببناء الدول ونهضة المجتمعات، وقد أكد عليه العلماء والحكماء والمفكرون والمثقفون، بل حتى أولئك الذين اخترعوا القنابل الذرية أنفسهم، ومن يُدعَون بآبائها المخترعين، نادى كثير منهم بإحلال السلام والاستقرار، لإدراك الجميع أن الاستقرار ضرورة حياتية لا غنى لأحد عنها، وبانعدامه تحل العواصف العاتية بالسفن التي تقل الجنس البشري في هذا العالم، وقد تتسبب في إغراق كثير منهم، بل قد يمتد الأمر إلى ما هو أبعد وأقسى من ذلك، في ظل وجود الأسلحة الفتاكة ذات التأثير واسع النطاق، مثل الأسلحة النووية والبيولوجية وغيرهما.

إن الدعوة لبناء عالم خالٍ من الحروب والصراعات والأزمات واجب أخلاقي وإنساني، وهو حلم يتمناه كل عاقل، وتحقيقه ضمن الممكن المستطاع مسؤولية مشتركة، فإن ما لا يُدرك كلُّه لا يُترك كلُّه، ولا شك بأن ذلك ليس أمراً سهلاً، بل هو من أكبر التحديات التي تواجه البشرية، فإنَّ مهددات الاستقرار والسلام كثيرة، وإن أيادي الجشع والطمع والتسلط والهيمنة والتنافس السلبي والتعصب والتطرف والكراهية قد تخطف ضعاف النفوس، وتجرهم إلى فتح أبواب الصراعات والاعتداءات، ولذلك فإنَّ بناءَ الإنسان وتغذيته بالقيم وتحصينه أخلاقياً وبناءَ منظومة تعليمية تربوية راقية من أهم المفاتيح لإغلاق هذه الأبواب، وترسيخ ثقافة الاستقرار في المجتمعات.

ومن أهم العوامل التي تساعد على تعزيز الاستقرار على مستوى الدول والمجتمعات تضافر الجهود الوطنية فيها على ترسيخ هذا المسار، واتفاق جميع مكونات المجتمع من مؤسسات وأفراد على رؤية وطنية واحدة تصب في خدمة استقرار الدولة ومؤسساتها، والتوافق المشترك على المصالح العليا، وترسيخ ثقافة التعايش، والاحترام المتبادل للحقوق، ليس على المستوى الثقافي والتوعوي فحسب، بل كذلك بسن التشريعات والقوانين التي تجعل من هذه الثقافة واقعاً قانونياً معاشاً، وخاصة في الدول التي تكثر فيها القبائل والأعراق والمذاهب والأديان.

وكذلك تأتي دور الدول والمنظمات العالمية على المستوى الإقليمي والعالمي، بالتعاون فيما بينها على مختلف المستويات لإحلال السلام والاستقرار، وتقريب وجهات النظر لحل الأزمات والخلافات، وهو ما يحتم على كافة أطراف الصراعات أينما كانت التوصل إلى تسويات سلمية، صيانة للأرواح، ومحافظة على الدول والمجتمعات.

كما يتطلب الاستقرار العالمي وجود أدوار وقائية للتصدي للمهددات العالمية للاستقرار، لمنع نشوب النزاعات والصراعات من أساسها، ونزع فتيلها قبل أن تنفجر، وذلك يستلزم المبادرة إلى حل المشكلات والأزمات، وتصحيح الأوضاع الخاطئة، وتغليب لغة العقل والحكمة، والعناية بالتنمية والعدالة الاجتماعية، فكم تسببت المشكلات العالقة والأزمات المتفاقمة والأحوال المزرية من تدهور الأوضاع وخروجها عن نطاق السيطرة، لتتحول إلى صراعات وحروب ودخول في دوامات وأنفاق مظلمة لا نهاية لها، فينهدم الأمن ويزول الاستقرار.

ومن الضرورات العصرية في هذا المجال لترسيخ الاستقرار تضافر الجهود العالمية للتصدي لظاهرة التغير المناخي الناتج عن الاحتباس الحراري، والذي يؤثر سلباً على الموارد الطبيعية، ويؤدي إلى شحها، ومن أهمها المياه، مما يتسبب في نشوب خلافات ونزاعات وصراعات حول هذه الموارد، التي تمثل شريان الحياة، ولذلك فإن التصدي لهذه الظاهرة ضرورة ملحة لإحلال الاستقرار العالمي.

وقد اعتنت دولة الإمارات عناية بالغة بالسلام والاستقرار العالميين، وكرست نفسها كشريك مهم لترسيخ السلام على المستويين الإقليمي والعالمي، وساهمت في مبادرات عدة، وحققت إنجازات متنوعة، منها نجاحها في إعلان اتفاق السلام التاريخي بين أريتريا وأثيوبيا عام 2018 والذي أسفر عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين بعد انقطاع دام عشرين سنة، كما ساهمت دولة الإمارات في ملفات عدة لتعزيز الاستقرار العالمي، وها هي تستضيف قمة مؤتمر الأطراف بشأن التغير المناخي «كوب 28»، خلال الفترة من 30 من شهر نوفمبر إلى 12 من شهر ديسمبر 2023 ، والذي يصب في علاج هذه الظاهرة وترسيخ الاستقرار في العالم.

إن من أهم ما تحتاج إليه المجتمعات ترسيخ ثقافة المحافظة على الاستقرار وعياً وسلوكاً، وانتهاج نهج الحوار الإيجابي البنَّاء لحل الخلافات، وتغليب المصالح العليا، ففي التاريخ والواقع دروس وعبر، يستفيد منها العقلاء، فلا يعيدون تجارب الحروب والصراعات، التي لا رابح فيها، ولا ينتج عنها إلا الخراب والدمار.