قبل عام ونصف تقريباً، في شهر يناير 2022 على وجه التحديد، أعلنت شركة «مايكروسوفت» عن عزمها شراء شركة «أكتيفيجن بليزارد» في صفقة قيمتها 70 مليار دولار تقريباً، لتوحد بذلك اثنتين من أكبر القوى في قطاع ألعاب الفيديو على مستوى العالم، في أكبر عملية استحواذ لها على الإطلاق، حيث ستدفع «مايكروسوفت» 95 دولاراً للسهم الواحد نقداً، لتقتنص واحدة من أكبر صانعات الألعاب الأمريكية على الإطلاق، تشتهر بألعاب إلكترونية تلقى رواجاً كبيراً مثل «كول أوف ديوتي»، و«وورلد أوف ووركرافت».
تعد «أكتيفيجن بليزارد» واحدة من أكبر ناشري ألعاب الفيديو في العالم، حيث تبلغ عائداتها السنوية 8.8 مليارات دولار تقريباً، بينما تُعد «مايكروسوفت» لاعباً مهيمناً في صناعة برامج الحوسبة، كما أنها تملك قسم «إكس بوكس» الخاص بمشغلات الألعاب، لكن الصفقة، التي كان من المتوقع أن تنتهي إجراءاتها بحلول منتصف هذا العام 2023 تشترط موافقات تنظيمية دولية من قبل العديد من الهيئات التجارية الحكومية لمخاوف مكافحة الاحتكار، كما تتطلب موافقة المساهمين، وإذا تمت الموافقة على الاستحواذ فستكون الصفقة أكبر عملية شراء في تاريخ ألعاب الفيديو، بالإضافة إلى أنه سيجعل من «مايكروسوفت»، ثالث أكبر شركة ألعاب في العالم.
هذا الاستحواذ أثار جدلاً كبيراً في أوساط كثيرة، حيث أعرب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي للجنة التجارة الفيدرالية، التي سبق أن أثارت الكثير من المخاوف، بشأن عمليات الدمج والاستحواذ الكبيرة في قطاع التكنولوجيا، أعربوا عن مخاوفهم من الاندماج بين الشركتين المذكورتين، كما أثيرت مخاوف عدة، بشأن ملكية مايكروسوفت المحتملة لسلسلة «كول أوف ديوتي»، التي تمثل قيمة كبيرة في صناعة ألعاب الفيديو، وفي اليابان لقيت الصفقة معارضة شديدة من شركة «سوني»، التي تسيطر على أجهزة الترفيه المنزلي، خصوصاً من خلال «بلاي ستيشن»، في الوقت الذي تحاول فيه «مايكروسوفت» أن تنافس من خلال «إكس بوكس»، واستحواذها على ألعاب من«بليزارد»، يعني أن سوق أجهزة الترفيه المنزلي لإكس بوكس سيكون هو الأقوى، وسينافس «سوني» بقوة.
هذا هو تحليل الخبراء، الذين يتابعون موضوع صفقة الاستحواذ المذكورة، والتي كان من المفترض أن تتم بحلول منتصف هذا العام لولا الصفعة الكبيرة، التي تلقتها من قبل هيئة الرقابة البريطانية لمكافحة الاحتكار، حيث عارضت الهيئة تنفيذ الصفقة قائلة: إنها ستضر بالمنافسة، لا سيما بالألعاب السحابية، مستشهدة بأنه عندما استحوذت «مايكروسوفت»على شركة ألعاب الفيديو«بيثيسدا» عام 2020 أصبحت ألعابها حصرية على «إكس بوكس»، وبهذه المعارضة تكون بريطانيا قد انضمت إلى دول أخرى تعارض الصفقة، منها الولايات المتحدة وكندا. رئيس مايكروسوفت، براد سميث، انتقد القرار قائلاً: إنه أكثر أيام «مايكروسوفت» سوداوية في بريطانيا، وهدد بنقل عمليات الشركة إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره أكثر ودية من بريطانيا.
هي معركة احتكار إذاً، وهي تجارية كما تبدو في ظاهرها، لكن هناك جانب آخر غير تجاري للموضوع ينبه إليه عدد من الخبراء، يعتقد البعض أنه قادم من نظرية المؤامرة المعروفة، لكن إغفاله ليس من الحكمة، لنستمع إلى الذين ينبهون إليه من باب طرح كل الأفكار، من دون إلزام أحد بتبني هذه الفكرة أو تلك.
يقول أحد الخبراء الغربيين في مقطع فيديو مصور: «إنهم لا يريدون لأطفالكم أن يصبحوا متعلمين.. لا يريدونكم أن تفكروا كثيراً. لهذا دولتنا وعالمنا أصبح متشبعاً جداً بالترفيه.. وسائل إعلام.. برامج ألعاب.. برامج تلفزيونية.. حدائق تسلية.. مخدرات.. خمور.. وكل أنواع التسلية لإبقاء العقل البشري متسلياً كي لا تعترضوا طريق الأشخاص المهمين بالتفكير كثيراً. عليكم أن تستيقظوا وتفهموا. هناك أشخاص يقودون حياتكم وأنتم لا تعرفونهم».
إلى أي درجة يمكن أن يوافق البعض على هذا الرأي، وإلى أي درجة يمكن أن يرفضه البعض ويُخضِعوه لفكرة المؤامرة؟
ليس مهماً أن نبحث الآن عن نسبة الموافقين والرافضين، فهذا الجدل لن ينتهي، المهم أن نسأل أنفسنا: لماذا تدور هذه المعارك بين الشركات المصنعة للألعاب الإلكترونية، ولماذا تتسابق هذه الشركات للاستحواذ على عقول واهتمامات البشر، وتتنافس على احتكار الألعاب ومنصاتها، وما هو محتوى هذه الألعاب، التي تسيطر على عقول الصغار والكبار، فلا يكاد مدمنوها يغادرون أماكنهم أمامها حتى يعودوا إليها مسرعين وقلوبهم معلقة بها؟
علينا أن نبحث عن محتوى هذه الألعاب، وعن عدد الساعات، التي يقضيها مليارات اللاعبين أمامها. علينا أن نفكر لنعرف كيف يتدخل صانعو هذه الألعاب في تكوين شخصياتهم وسلوكياتهم، وكيف يغرقونهم في اللهو والتسلية على حساب أشياء أكثر أهمية وجدوى. علينا أن نلاحظ كيف تسيطر ألعاب التسلية على هذه المليارات من اللاعبين، لندرك كيف تمارس شركات الألعاب ألعاب السيطرة على عقول البشر.