أثارت حادثة إحراق نسخة من المصحف الشريف في السويد أول أيام عيد الأضحى المبارك ردود أفعال غاضبة في عدد من الدول العربية والإسلامية، واستدعت أغلبها سفراء السويد فيها وأبلغتهم غضبها وإدانتها للعملية، في حين استنكرت عدة دول غربية وشرقية الحادثة، وعدّتها عملاً استفزازياً يهدف إلى إثارة الانقسام، وتصرفاً وقحاً وغير لائق، واعتبرت «حرق كتب تُعدّ مقدسة للكثيرين هو عمل مهين وبغيض وكريه ومثير للاشمئزاز».
أما رئيس الوزراء السويدي فقد «اعتبر حرق كتب تمثل قدسية للكثيرين عملاً مشيناً للغاية». جاء هذا في تغريدة له أدان خلالها عملية الحرق، قائلاً إن «حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية، ولكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أن يكون ملائماً». ورغم هذا فقد صرحت السلطات السويدية لمرتكب الحادثة بالعملية التي جرت تحت حماية الشرطة!
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها حرق أو تمزيق نسخة من القرآن الكريم بأيدي متطرفين في السويد، فقد سبق أن أقدم السياسي الدنماركي ـ السويدي راسموس بالودان، زعيم حزب الخط المتشدد «سترام كوكس» اليميني المتطرف في أبريل 2022 على إحراق نسخ من القرآن الكريم مع أنصار حزبه، وفي 21 يناير 2023 قام بالودان بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في العاصمة السويدية، الأمر الذي أدى إلى موجة من الاحتجاجات في أغلب المدن السويدية.
لكن الحادثة الأخيرة تمت على يد لاجئ عراقي، هدد بتكرار عملية الإساءة إلى القرآن الكريم خلال الأيام المقبلة، متحدياً كل ردود الأفعال، الغاضب منها والمستنكر، مستغلاً القانون السويدي الذي يصرّح بهذا العمل، ولا يدرجه ضمن قائمة الأعمال التي تحض على الكراهية، كالإساءة إلى المثليين على سبيل المثال!
لهذا لا نتوقع أن يتم إغلاق الأبواب أمام عمليات من هذا النوع، لا عاجلاً ولا آجلاً، ليس لأن السويد وغيرها من الدول الغربية، التي تتذرع بالديمقراطية في سماحها بتنفيذ هذه الأعمال، لا ترغب في هذا، فهي تعلم أن علاقتها مع الدول العربية والإسلامية ستتضرر حتماً من وراء هذه الأعمال المستفزة، ولكن لأنها تقف عاجزة أمام قوانينها التي تسمح بهذه الأعمال ولا تجرمها، وتعتقد أنها جزء من منظومة الحرية التي تلتزم بها أمام شعوبها، حتى لو اختلفنا مع وجهة النظر هذه، واعتبرنا الحرية التي يتحدثون عنها تكيل بمكيالين وهي تفتح عيناً وتغمض عيناً، فالقرار في النهاية ليس قرارنا، والمزاج السائد هناك غير مزاجنا. الشيء الذي يمكننا أن نفعله هو أن نسأل:
من الذي فتح «صندوق باندورا» هذا لتخرج منه كل هذه الشرور والأحقاد والأمراض، وتُنسَب إلى الإسلام وكتابه ونبيه وأتباعه؟ ومتى تم فتح هذا الصندوق، اليوم، أم أن هناك تاريخاً من الإساءات إلى كتابنا ونبينا وديننا، ساعد على تناميها انحراف بعض الجماعات والتنظيمات التي تدّعي أنها هي الممثل الوحيد لهذا الدين، وأنها قادمة لإقامة حكم الله وتطبيق شرعه على كافة شعوب وأمم الأرض، متخذة من العنف والقتل والترويع منهاجاً وطريقاً.
كما ساعد على تنامي هذه الإساءات، خلال العقدين الأخيرين على وجه الخصوص، وقوف بعض المتشددين أمام محاولات عقلاء الأمة إشاعة مفاهيم ومبادئ التسامح والاعتدال والوسيطة، ومهاجمة المتطرفين للدول والمؤسسات الدينية التي تدعو إلى ذلك، واعتبارهم مبتدعين لدين جديد وأفكار ليست من الإسلام في شيء، في حين أن الإسلام يسعى إلى السلام الذي يستمد اسمه منه، ويدعو أتباعه إلى مجادلة الآخرين بالتي هي أحسن، ويحثهم عندما يصلون إلى طريق مسدود معهم أن يقولوا لهم: «لكم دينكم ولي دين»؟
ليست المشكلة في جنسية من قام بعملية حرق نسخة من القرآن الكريم في العاصمة السويدية أول أيام عيد الأضحى المبارك، فنحن نعلم جيداً أن شرفاء العراق كلهم، من مختلف الأديان والعرقيات، يبرؤون من هذا العمل الخسيس والجبان، تماماً كما يبرأ كل مسلم وعربي من الإساءة إلى أي دين في كل مكان وزمان، ويحترم كل دين وكتاب وأمة، لأن الأديان كلها لله، في حين أن الأوطان للجميع.
أما هؤلاء الذين يظهرون من حين إلى آخر ليدنسوا كتاباً هنا ويحرقوا كتاباً هناك، فهم الذين يخرجون من «صندوق باندورا» ناشرين للشرور، مسمَّمين بالأفكار الخبيثة التي يحملونها، لتتحول إلى أفعال كريهة وهم يسعون إلى شهرة زائفة وسريعة، يملأ نفوسهم الحقد والشر والخواء.
بعد فترة من إغلاق «باندورا» لصندوق الشرور رأت نوراً ينبعث منه، فأعادت فتحه، وخرج منه شيء جميل، فشعرت بالدفء والسعادة. لم تكن تلك العطية الأخيرة، كما تروي الأسطورة الإغريقية، سوى الأمل، فهل يستطيع الأمل أن يغلق صندوق الشرور هذا للأبد؟
هذا هو ما نتمناه ونرجو حدوثه.