العالم يقف حالياً شاهد عيان على آثار التغير المناخي. لم يعد الأمر حديثاً في قاعات مغلقة ومؤتمرات متخصصة عن آثار «طويلة» الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. كما لم تعد فقرة «البيئة» ضمن فقرات البرامج التي يتم بثها في ساعات المشاهدة التلفزيونية المنخفضة أو ضمن نشرات الأخبار لسد الفراغات. صار التغير المناخي واقعاً يعايشه، أو بمعنى أدق يكابده الجميع.
وبعد ما كانت المؤشرات الأولى قاصرة على فيضان في دولة تبعد عنا آلاف الأميال، أو حرائق غابات في مناطق قلما نذهب إليها، عواصف مدمرة نتابعها على «يوتيوب»، موجات جفاف نجمع من أجل ضحاياها الأموال على سبيل فعل الخير وغيرها من العلامات التي كانت الغالبية في العالم العربي تنظر لها حتى وقت قريب مضى باعتبارها «مشكلات الآخرين»، فإذ بنا نستيقظ اليوم وقد باتت مشكلاتنا أيضاً.
يقول الخبراء إنّ نصف الكرة الأرضية الشمالي يشهد الآن موجات حر وحرارة غير مسبوقة، تصاحبها حرائق وتوليفة من الكوارث الطبيعية التي تلوح في الأفق القريب. وتقول رؤى العين إن المواطنين في الشوارع «يسيحون» حرفياً.
حتى «الميمز» والدعابات عن حرارة الجو، والنيل من «محبي الصيف» سخرية وتنكيتاً، وتداول صور مركبة لسيارات تحولت معادنها إلى سوائل وأحذية التصقت بالأسفلت، فقدت حسها الفكاهي أمام مؤشرات الحرارة والرطوبة الآخذة في التفاقم ومعها أخطار صحية ومعيشية وغذائية كثيرة.
العام الماضي، استضافت مصر أعمال «كوب 27» في مدينة شرم الشيخ على خلفية أحداث مناخية قاسية شهدها العالم، وأزمة طاقة وغذاء تسببت فيها الأزمة في أوكرانيا. في هذا المؤتمر الأممي، خرجت من مصر رسائل عديدة متفردة.
وسبب التفرد هو أنها رسائل عملية تنبه إلى حتمية الإنجاز وإلا فالخطر واقع على الجميع. فالأولوية للأرض ومصير من عليها وليس للحروب والصراعات. والمطلوب تنفيذ الوعود لا استمرار التأكيد عليها. ونماذج الاقتصاد الأخضر ليس حكراً على الغرب، بل في المنطقة العربية أكثر من نموذج يحتذى.
ورغم الرسائل الحاسمة، إلا أن الجميع خرج من الحدث الأممي المناخي الأهم وهو على يقين بأن حالة من الاستقطاب المكتوم والشديد واقعة بين شمال الأرض وجنوبها، وأن الرؤى حول القضايا المناخية وتحديد المسؤوليات لإنقاذ الكوكب فيها الكثير من التناقض والخلاف.
الاختلاف في الرأي لا يفسد لود الدول قضية، لكن الخلاف حول مصير شعوب الأرض يفسد كل الود. من هذا المنطلق، ومن على أرض الواقع المناخي الحالي والذي يضع نصف الكرة الشمالي في فوهة بركان مناخي يعاني منه سكانها، حيث أصبح التهديد المناخي «طويل الأجل» آنياً سينطلق «كوب 28» من الإمارات العربية المتحدة أواخر العام الجاري لتكون القمة المناخية الأهم.
«كوب 28» ستكون قمة شعوب الأرض. انتهى زمن رفاهية قضايا البيئة ومخملية الاهتمام بتغير المناخ. أصبحت البيئة والكوكب والمناخ والآثار الخطيرة التي لم تترك دولة إلا طرقت بابها قضية الجميع المتحكمة في مصائر سكان الأرض.
آمال كثيرة معقودة على ما سيخرج من «كوب 28» إلى الواقع. فمع وصول أخطار تغير المناخ إلى أعتاب بيوت الجميع وربما داخلها، وتذوق الكل طعم الآثار التي كانت طويلة الأجل حتى الأمس القريب، وقدرة الدولة المضيفة على أن تكون مثالاً حياً ونموذجاً يحتذى في القدرة على استشراف مخاطر التغير المناخي، وفوائد العمل المستدام في قضايا البيئة والطاقة المتجددة والمناخ، والذي بدأ منذ سنوات طويلة استعداداً للخطر القادم تأتي قمة المناخ هذه المرة حاملة قدراً وافراً من الفرص الذهبية.
ساحة العالم مهيئة للخروج بخطة عمل سريعة للإنقاذ. صحيح أن الدول «الممانعة» والأقل تأثراً بتغير المناخ والأعلى مسؤولية فيما جرى للأرض ومناخها ستستمر قدماً على الأرجح في ممانعتها، لكن عزم الجبهة الراغبة في الإنجاح أقوى، ويحظى بدعم الشعوب التي تذوق طعم تغير المناخ.
المهمة الواقعة على كاهل الإمارات كبيرة، لكن معها الدول العربية وعلى رأسها مصر وخبرتها «الطازة» من «كوب 27». كل المطلوب هو نظام دولي عادل يستند إلى القوانين. يبدو الأمر بسيطاً، لكنه بالغ الصعوبة في ظل تعنت البعض.
قبل أيام قليلة، استضافت القاهرة الدورة الثانية من منتدى «المجتمع الأخضر» وكانت جلسة «الطريق إلى (كوب 28)» إحدى أبرز فعالياتها. سفيرة الإمارات لدى مصر السفيرة مريم الكعبي تحدثت عن خبرة الإمارات في ملف الاستدامة، وكيف أنها كانت الدولة الأولى في المنطقة التي تعلن عن مبادرة لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، وأول دول المنطقة كذلك في التوقيع على اتفاقية باريس للمناخ وغيرها من الالتزامات في الاستدامة ومكافحة التغير المناخي والاستثمار في الطاقة المتجددة.
أنظار العالم موجهة صوب الإمارات حيث قمة شعوب العالم وقمة آمال شعوب العالم.