النيجر دولة أفريقية من بين 54 دولة تقع في القارة السمراء، وموقعها جنوب ليبيا على الخريطة، ولم يكن اسمها يتردد من قبل، إلا إذا كان الحديث عن مجموعة دول الساحل والصحراء التي تضمها مع أربع دول أخرى، ولكن الاسم بعد الانقلاب العسكري الذي وقع فيها مؤخراً صار يتردد في كل وسائل الإعلام.

دول الساحل والصحراء تمتد في شكل شريط طولي من شرق القارة إلى غربها، وتبدأ من تشاد، إلى النيجر، إلى مالي، إلى بوركينا فاسو، إلى موريتانيا.

ولا تزال هذه الدول الخمس تمثل أهمية كبيرة في معركة العالم، وليس القارة السمراء وحدها، ضد التطرف والإرهاب والتشدد. هذا الثلاثي لا ينشط في مكان بقدر ما ينشط على أرض الدول الخمس، ولا يجد مرتعاً له إلا على مساحات منها وبدرجات متفاوتة طبعاً، وربما كانت مساحاتها الكبيرة مغرية في هذا الاتجاه، لأن مساحة النيجر وحدها على سبيل المثال تماثل مساحة بريطانيا خمس مرات.

وحين استيقظ العالم على الانقلاب في 26 يوليو، فإنه وضع يده على قلبه، ثم راحت دول عديدة من بعد ذلك تتصرف بعصبية، وتنذر قادة الانقلاب بما يمكن أن تتخذه ضدهم من إجراءات، وأخذت تطالبهم بالإفراج الفوري عن الرئيس محمد بازوم، الذي تحددت إقامته بقرار من الذين انقلبوا عليه.

ومن قبل كانت دول أفريقية كثيرة تتعرض لانقلابات من نوع ما وقع في النيجر، ولم يكن الغرب يهتم بالأمر كما اهتم في هذه الحالة النيجرية، وكان السبب أن الذين كانوا يقودون أي انقلاب لم يكونوا يعادون الغرب منذ اللحظة الأولى.

وقوع الانقلاب في نيامي عاصمة النيجر، أعقبه خروج تظاهرات في العاصمة، وكان المتظاهرون يرفعون رايات روسية، ولم يكن هذا مما يريح الولايات المتحدة الأمريكية بالتأكيد، ولا أوروبا، ولا كان يريح حلفاءهما في الحرب الروسية الأوكرانية.

ولم يتوقف المتظاهرون عند هذا الحد، لكنهم ذهبوا إلى مقر السفارة الفرنسية في نيامي، ونزعوا اللافتة التي تحمل اسمها ثم داسوها، وكان هذا مما أثار الفرنسيين جداً، إلى حد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تكلم بغضب، وألمح وهو يتكلم إلى أن بلاده يمكن أن تتدخل لتعيد الرئيس بازوم بالقوة إلى منصبه.

وفي البداية، كان يفغيني بريغوجين، قائد مجموعة فاغنر الروسية العسكرية الخاصة، قد رحب بما جرى وعرض خدمات مجموعته لحفظ النظام والأمن في البلاد، وكان المعنى أن الحكام الجدد في النيجر أقرب إلى موسكو منهم إلى واشنطن.

وتواصلت ردود الفعل على الانقلاب، وقالت مجموعة إيكواس التي تضم دول غرب القارة إن على قادة الانقلاب أن يراجعوا أنفسهم، وأن يعيدوا البلاد إلى المسار الديمقراطي السابق على انقلابهم، وأصدرت «إيكواس» ما يشبه الإنذار إلى المجموعة الحاكمة الجديدة، ومنحتها أسبوعين للعودة عما قامت به ضد الرئيس المنتخب.

ورغم أن واشنطن كانت متشددة في البداية، ورغم أن موقفها كان قريباً في تشدده من موقف «إيكواس»، إلا أنها بدأت تتحلى بالمرونة، وبدأت تتحدث عن حل دبلوماسي، باعتباره تقريباً «الحل الوحيد».

وعندما قامت فيكتوربا نولاند، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، بزيارة إلى العاصمة نيامي، التقت عدداً من قادة المجلس العسكري الحاكم، ولما طلبت لقاءً مع الجنرال عبد الرحمن تشياني، قائد المجلس، لم يلق طلبها قبولاً، وكذلك حين طلبت لقاءً مع الرئيس بازوم، وكان هذا مما يحمل إشارة سياسية في مجمله.

وسوف تشعر وأنت تتابع هذا كله، أن الغرب لا يقف ضد الانقلاب لأنه ضد فكرة الانقلاب نفسها كفكرة، ولكن لأن التوجه السياسي للذين انقلبوا ليس مما يوافق الهوى الغربي، ولا يختلف الحال على الجانب الروسي الذي ينظر إلى الأمر باعتباره حلقة من حلقات صراعه مع الغرب، أما مصالح النيجر المجردة فلا أظن أن لها مساحة معتبرة وسط هذا كله من أوله إلى آخره، لأن هذه المصالح هي آخر ما يخطر ببال هؤلاء الذين يتصارعون على النيجر.