تعاني القارة السمراء من انعدام الاستقرار في ربوعها رغم ما تزخر بها من خيرات وثروات هائلة. وشهدت منطقة وسط وغرب القارة عدة انقلابات عسكرية مؤخراً والتي قد تزيد من وتيرة الاضطرابات في المنطقة، خاصة إذا ما حدث تدخل عسكري من المنطقة أو خارجها. وقد شاركت في ندوة عقدت حول الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي تحت قواعد تشاتام هاوس والذي لا يسمح بالإفصاح عن أسماء المشاركين أو الجهة الراعية. ولكن يمكن الحديث عن فحوى النقاشات التي دارت في اللقاء.

وشاركت في الندوة شخصيات أكاديمية وسياسية ودبلوماسية ومراكز بحوث عالمية لمناقشة معضلة أفريقيا في عدم تحقيق استقرار للبدء في عملية التنمية الشاملة. وقد أصبحت الحروب والنزاعات والصراعات سمة أساسية في القارة. وجرت النقاشات حول الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة غير المستقرة.

ودار النقاش حول أسباب عدم الاستقرار والذي أجمع المشاركون على أن هشاشة الدولة وضعف شرعيتها هي من أهم مسببات الاضطرابات. فالدول الأفريقية دول ما بعد كلونيالية بامتياز. فقد جاءت هذه الدول نتيجة للاستعمار الأوروبي والذي أنشأ هذه الدول بحدودها التي لم تأخذ اعتبارات الانتماءات الاثنية. وأصبح مسألة صياغة الدولة يحتاج إلى مفاوضات مستمرة بين الفرقاء السياسيين.

كما أن انعدام استحواذ وسائل العنف الشرعي من قبل الدولة يحد من قدرتها على ممارسة سيادتها على أراضيها. وتتقاسم في كثير من الأحيان جماعات مسلحة السيادة الوطنية على مساحات شاسعة من أراضي الدولة. وفي كثير من الأحيان تكون هذه الجماعات من المتطرفين الممارسين للإرهاب المحلي والدولي.

والمشكلة في رأينا ليس في الحالة الاستعمارية الموروثة فحسب، رغم أهميتها الكبيرة، بل في فشل الدولة بعد الاستقلال في خلق مجتمع سياسي يتشارك فيه الجماعات الاجتماعية ويتقاسم فيه قيماً وطنية موحدة ويجمعهم التراب الوطني.

والإشكالية الثانية والتي تعاني منها القارة الإفريقية هو دورها في الاقتصاد العالمي وهو مرتبط عضوياً بالاستعمار، حيث أسس الأخير لاقتصاد قائم على إنتاج مواد أولية واستيراد مواد مصنعة من الدول المتقدمة. وقد نتج عن ذلك، حتى بعد الاستقلال، علاقة تبعية بين الدول المصدرة للمواد الأولية والدول المنتجة للمواد المصنعة. وبسبب فارق القيمة المضافة بين المواد المصنعة والمواد الأولية، فإن الدول الإفريقية غدت محرومة من تراكم رأسمالي تستطيع أن تنطلق على أساسها في عمليات التنمية.

وإضافة إلى سوء الأداء الاقتصادي وإدارة الموارد، فإن كثيراً من النخب السياسية والاقتصادية يعتريها فساد مستشرٍ. والقيادة تلعب دوراً مهماً في العملية التنموية بشقيها السياسي والاقتصادي. فعلى سبيل المثال، فإن دولة كانت متخلفة في الستينيات من القرن المنصرم، وهي سنغافورة، أصبحت في مصاف الدول المتقدمة، بل إنها متقدمة على كثير من الدول الغربية. ورغم افتقار سنغافورة للمصادر الطبيعية، فإن قيادة متمثلة في لي كوان يو استطاعت أن تحول البلاد إلى قوة اقتصادية كبيرة.

وقد عانت القارة السمراء من التنافس الغربي، حيث تدافعت القوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر لتقاسم القارة فيما بينها. واليوم نرى التاريخ يتناغم مع تلك الحقبة الاستعمارية، حيث تتدافع القوى العظمى لاقتطاع مناطق نفوذ لها في القارة ولو على حساب مصالح شعوب القارة ورخائها واستقرارها.

وبالنسبة لمنطقة القرن الإفريقي، فإنها محاذية لدول الجزيرة العربية وتشرف على ممر مائي مهم، وهو مضيق باب المندب في البحر الأحمر، والذي تمر منه كثير من تجارة دول الخليج فضلاً عن تصدير النفط. كما أن هذه المنطقة مهمة لكثير من الدول العربية مثل السودان والذي يعاني من نفس المشاكل التي تعاني منها القارة قاطبة. فالاهتمام بهذه المنطقة مسألة استراتيجية مهمة لنا في الخليج العربي.