طريفاً وممتعاً كان الحوار الذي دار في المكالمة التي جرت بين المواطن الإماراتي خليفة وأحد مندوبي شركات الاستثمار، وانتشرت على وسائط الاتصال الاجتماعي.

كان مندوب شركة الاستثمار واحداً من أولئك الذين يزعجوننا، هم ومندوبو البنوك والشركات العقارية ومروجو المكانس ومبردات المياه وغيرها من الأجهزة، طوال ساعات اليوم، باتصالاتهم التي لا تنقطع، عارضين علينا استثمار أموالنا في الذهب والمعادن الثمينة، أو مقدمين لنا عروض قروض مغرية وبطاقات ائتمان ذات حدود ائتمانية عالية، أو طارحين علينا وحدات سكنية في مشاريع عقارية كبرى، أو عارضين شراء عقاراتنا أو تأجيرها إذا اعتذرنا وأبدينا عدم رغبتنا نحن في الشراء، أو طالبين منا تجربة مكنسة كهربائية أو غسالة أو مبرد مياه.

كان خليفة أثناء المكالمة متدفقاً وعفوياً ومنطقياً، بينما كان مندوب شركة الاستثمار مرتبكاً ومتلجلجاً، يحاول أن يبرر لخليفة اتصاله به. سأل خليفة المندوب إن كان أحد قد طلب منه الاتصال به، ومن أين أتى برقم هاتفه، فأجابه المندوب بأن الرقم موجود لديه في «السيستم». تساءل خليفة عن سبب وجود رقم هاتفه في «السيستم».

وإن كانت شركة الاتصالات قد أعطته إياه. رد المندوب بأن الرقم ينزل لديهم على الشركة. استغرب خليفة وسأل لماذا ينزل رقمه لديهم على الشركة. حاول المندوب أن يبرر، فقال له خليفة إن هذا لا يجوز، لأنه إزعاج، إذ ربما كان الشخص مريضاً، أو مع أهله وأبنائه، أو مشغولاً وهم يتصلون به داعين إياه إلى الاستثمار عندهم. سأل كيف يستثمر عندهم وهو لا يملك عشر روبيات (يقصد عشرة دراهم) في جيبه، وماذا يستثمر؟

رد المندوب قائلاً: استثمر في الذهب. هنا اختلفت نبرة صوت خليفة، فسأل المندوب كيف يستثمر عندهم وهو لا يملك مالاً. قال له المندوب إنه يعرض عليه فقط، فاستغرب خليفة كيف يعرض عليه أن يستثمر عندهم قبل أن يسأله إن كان يملك مالاً، وأبدى انزعاجه من كثرة الاتصالات التي لا تستثني كبار السن من الرجال والنساء، كما لا تستثني الأطفال، داعية إياهم لاستثمار أموالهم، سائلاً المندوب: من قال لكم إن عندنا أموالاً؟

«يا أخي أزعجتونا تراكم.. والله العظيم هلكتونا»، كانت هذه واحدة من الجمل التي عبر بها خليفة ليس عن نفسه فقط، وإنما عن فئة كبيرة من المجتمع صارت تعاني من الاتصالات التي أصبحت تشكل مصدر إزعاج يومي، في حين غدت الحلول محدودة، فلا نحن قادرون على تجاهل المكالمات التي تردنا من أرقام غير مسجلة في هواتفنا، خشية أن تكون من جهات مهمة.

وإذا نحن رددنا عليها وجدنا على الطرف الآخر أحد مندوبي أو مندوبات الشركات يعرضون علينا سلعهم أو خدماتهم التي لم نطلبها، ونحن لا نملك بال خليفة الطويل كي نأخذ ونعطي مع المندوب، ولا نملك الهدوء الذي ناقش به معه المسألة التي تزعجه وتزعجنا جميعاً، بعد أن طفح به وبنا الكيل.

«ما يستوي يا ريّال.. ما يستوي.. هذا الكلام ما يمشي يا خويه.. امسح يا خوي.. امسح رقمي دخيل والديك.. امسح رقمي من عندكم الله يستر عليك»، كانت هذه آخر الكلمات التي قالها خليفة في المكالمة، وكان رد المندوب: «أبشر.. أبشر.. خلاص.. أبشر».

هذه البشارة التي حملها مندوب شركة الاستثمار لخليفة نتمنى أن تشملنا جميعاً، لكننا نعلم أن المندوب ليس هو صاحب القرار، لأنه ليس أكثر من موظف يؤدي ما هو مطلوب منه، وأي مخالفة لأوامر الشركة ربما تجعله يفقد وظيفته، وتحوله إلى واحد منا، يتلقى عروض شركات الاستثمار والبنوك والمكاتب العقارية وغيرها، ويجأر بالشكوى من دون جدوى، كما أن الحل ليس لدى الشركات، التي آخر همها التفكير في راحة الناس عندما تتعارض هذه الراحة مع مصالحها ورغبتها في الربح ومضاعفة عدد الزبائن والمبيعات بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان هذا على حساب راحة خليفة وراحة أفراد المجتمع كله.

الحل في رأينا هو لدى السلطات المختصة، والسلطات المختصة هنا في رأينا هي هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية في الدولة، ودوائر التنمية الاقتصادية التي تمنح هذه الشركات الرخص والتصاريح وتضع القوانين التي تنظم عملها، فما لم تبادر هذه الجهات إلى وضع الضوابط التي تمنع الشركات من إزعاج الناس فسيظل هذا الوضع قائماً.

وسيجد خليفة وغيره أنفسهم مضطرين إلى فقد أعصابهم وهم يردون على هؤلاء المندوبين، وسيتضاعف عدد الأرقام المحظورة في هواتفنا المحمولة من دون جدوى، لأننا كلما حظرنا رقماً خرجت علينا هذه الشركات بألف رقم ورقم جديد، وسنقول لكل مندوب يتصل بنا: «حد قال لك اتصل بخليفة؟» لأننا كلنا خليفة.