صادف يوم السبت السابع من شهر أكتوبر الحالي الذكرى الثلاثين لوفاة باني دبي الحديثة، المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه.
وقد تشرفت بالمشاركة في الجلسة التي نظمها المجلس الثقافي للصديق الدكتور حنيف القاسم، وزير التربية والتعليم الأسبق، لاستعادة ذكرى هذا الرجل العظيم، الذي ما زالت سيرته تعطر تاريخ دبي والإمارات كلها، وقد تناولت الجانب الإعلامي منها.
لعل ما يعرفه الجميع عن الشيخ راشد، عليه رحمة الله، هو أنه كان عزوفاً عن وسائل الإعلام، لذلك لم أجد له حواراً صحافياً أو إذاعياً أو تلفزيونياً على مدى سنوات حكمه التي امتدت أكثر من ثلاثة عقود، إذا ما استثنينا الأقوال التي أوردها الصحافي اللبناني الراحل سليم اللوزي، رئيس تحرير مجلة «الحوادث» اللبنانية، على لسان الشيخ راشد، في العدد الخاص الذي أصدرته المجلة عن دبي في شهر أكتوبر 1969 بمناسبة تصدير الشحنة الأولى من النفط، وكان عنوان العدد «دولة التجار تدخل عصر البترول».
وَصْفُ «إمارة دبي» في تلك المرحلة بكلمة «دولة» كان له دلالته التي لا تخفى، خاصة عندما يصدر عن مجلة لها وزنها مثل مجلة «الحوادث». وقد تصدرت العدد كلمة للشيخ راشد عنوانها «فرحة وعهد».
وكتب سليم اللوزي مقالاً ضمّنه عباراتٍ للشيخ راشد، كان منها: «يقول الشيخ راشد إن مهمة الحكم في السنوات القادمة سوف تكون أكثر صعوبة. لقد نجحنا في بناء بلد نموذجي دون أن يكون عندنا نفط؛ لذلك ينتظر الناس الآن أن نصنع لهم المعجزات بالنفط الذي تدفق علينا مرة واحدة».
لقد صنع الشيخ راشد، عليه رحمة الله، بلداً نموذجياً ناجحاً من دون ضجيج إعلامي، لأن النجاح يتحدث عن نفسه، كما يدفع الآخرين إلى التحدث عنه بإعجاب وانبهار كبيرين. ورغم عزوف الشيخ راشد، عليه رحمة الله، عن الظهور الإعلامي، فقد كان متحمساً لتأسيس وسائل الإعلام في إمارة دبي ومشجعاً لها، مؤمناً بدورها التنويري.
يدل على هذا السبق الذي حققته دبي في هذا المجال، فرغم أن البدايات الأولى للصحافة في الإمارات كانت في النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي بعدد من الصحف التي كانت تُكتَب باليد وتوزع على عدد محدود من الذين كانوا يجيدون القراءة وقتها، إلا أن البداية الحقيقية للصحافة المنتظمة كانت في إمارة دبي بإصدار مجلة (أخبار دبي) في 16 يناير 1965م.
وكانت دبي قد أصدرت في 15 سبتمبر 1961 أول جريدة رسمية في الإمارات، سمتها (دبي)، جاءت على غرار جريدة «الوقائع المصرية» التي تأسست في القاهرة عام 1828 بأمر من محمد علي باشا. وفي مجال الإذاعة، عندما قررت إذاعة «صوت الساحل من الإمارات المتصالحة» التوقف عن البث عام 1970م، أمر الشيخ راشد بأخذ ترددها لتبدأ (إذاعة دبي) البث على موجتها. وكان للشيخ راشد دور كبير في تأسيس (تلفزيون الكويت من دبي).
تدل على هذا المراسلات التي جرت بين الشيخ راشد، والشيخ صباح الأحمد الجابر، الذي كان يشغل وقتها منصب وزير الخارجية والخليج العربي في الكويت، والتي تواصلت منذ عام 1962 وحتى افتتاح التلفزيون في 9/9/1969م، قبل أن يفتتح الشيخ راشد (تلفزيون دبي الملون) عام 1974م.
لقد كان الشيخ راشد، عليه رحمة الله، منفتحاً على حرية الرأي والكلمة. تدل على هذا الحكاية التي سمعتها من السيد حبيب الرضا، عليه رحمة الله، عندما كان يشغل وظيفة وكيل وزارة الإعلام والثقافة المساعد للإمارات الشمالية في ثمانينيات القرن الماضي، وكان مقر مكتب الوزارة في دبي.
يقول المرحوم حبيب الرضا إنهم منعوا من الدخول مجلة إنجليزية كان فيها نقد لحاكم دبي، وعندما ذهب يخبر الشيخ راشد بذلك، أمره بالإفراج عن المجلة وتسليمها لمنافذ البيع! تعجب حبيب الرضا من موقف الشيخ راشد، فبادره الشيخ قائلاً: «إذا كان ما كتبته المجلة عني صحيحاً فأنا أستحقه، وإذا كان غير صحيح فإن الناس لن تصدقه».
رحم الله الشيخ الحكيم راشد بن سعيد آل مكتوم، وأجزل له العطاء لقاء ما قدم لوطنه وشعبه وأمته، فبمثل هؤلاء القادة تُبنى الأوطان.