قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش والعضو في وزارة الأمن ورئيس حزب الصهيونية الدينية، في تغريدة له الاثنين:

«إنّ الهجرة الطوعية واستيعاب سكان غزة في دول العالم هو حلّ إنساني ينهي معاناة اليهود والعرب»، ومعلوم أنّ الوزير المذكور يُنكر أصلاً وجود الشعب الفلسطيني.

وكان سموتريتش صرّح أنّه «يدعم موقف رئيس الوزراء بعدم السماح للسلطة الفلسطينية بالسيطرة على غزة» مؤكداً أن «السلطة الفلسطينية ليست خياراً لتحلّ محلّ حماس في غزة».

وكان نتنياهو أعلن أنه «لن تكون هناك سلطة مدنية تعلّم الأولاد كراهية إسرائيل ولا سلطة رئيسها لم يدن المجزرة بعد شهر»، مضيفاً أن دولة الاحتلال الإسرائيلي «تسعى لسيطرة تتيح الدخول متى تريد ولن تكون هناك حماس أو سلطة».

وكان وزير الأمن في حكومة نتنياهو ايتمار بن غفير أكد أن معنى «واجب القضاء على حماس هو القضاء على القادة والمؤيدين وحتى من يوزعون الحلوى فكلهم إرهابيون»، واختزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كل هذه التصريحات والمواقف، أمس، في جملة واحدة وهي أن جيش الاحتلال «سيظل يتحكّم أمنياً بقطاع غزة بعد الحرب».

وكل هذه المواقف والتصريحات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ردة فعل دولة الاحتلال الإسرائيلي تتجاوز مجرّد ما تعتبره دفاعاً عن النفس إثر عملية «طوفان الأقصى»، لتنفّذ عقاباً جماعياً ضدّ فلسطينيي غزة من خلال عمليات قصف ممنهج يسعى إلى القضاء على كل مقومات الحياة، ويدفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية أو الطوعية.

وما يبعث على الأسف أنه «لم يعد المنظور الإنساني في غزة لما يحدث من كوارث آدمية وتدمير البنية التحتية في القطاع المحور لدى المنظمات الحقوقية الأممية الدولية بل بات منظور تحقيق الأهداف الأمنية والعسكرية لأجل تحقيق مكتسبات سياسية هو الأهم رغم اليقين لدى الدول العظمى أن الحسم العسكري لن يتحقق» بحسب ما أكدت ذلك المحللة السياسية تمارا حداد.

وما يدعم هذا المنحى العام في السياسة الإسرائيلية، ما يقوم به المستوطنون والجيش في الضفة الغربية من انتهاكات واعتداءات واعتقالات وهدم للمنازل، وهو وضع سيدوم إلى ما بعد الحرب على غزة بحسب عديد المسؤولين والخبراء في دولة الاحتلال.

وتتناغم هذه السياسات مع فكرة رائجة في صفوف اليمين الإسرائيلي مفادها أن الحلّ الجذري للقضية الفلسطينية لا يكمن في حلّ الدولتين وفق مقتضيات الشرعية الدولية، ولكن في الترحيل الطوعي والقسري للفلسطينيين وتوطينهم في دول أخرى بدءاً بالأردن ومصر.

وقد تكون القرارات الأخيرة الصادرة عن القمة العربية الإسلامية والتي أكدت مجدداً حلّ الدولتين في إطار قرارات الشرعية الدولية، فضلاً عن المطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار وفكّ الحصار عن تدفّق المساعدات الإنسانية والإغاثية، خيّبت بعض الشيء آمال دولة إسرائيل التي راهنت على الانقسامات في صفوف الدول العربية والإسلامية وربّما كانت تنتظر أن تكون هذه القمة محطة أساسية لوضع القضية الفلسطينية على سكّة التصفية النهائية.

ولعلّ خيبة الأمل هذه، هي التي تقود سياسات إسرائيل الآن والهادفة إلى فرض أمر واقع جديد: إعادة احتلال مقنّع أو مباشر لغزة ومزيد تفكيك أوصال الضفة الغربية وإضعاف أكبر للسلطة الفلسطينية.

ونكاد نقول إنّه بمثل هذه النتائج تكون حركة «حماس» قدّمت على طبق أسس حلّ طالما سعت دولة إسرائيل الاستيطانية إلى تحقيقه دون جدوى، غير أنّ الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني الذي قبل بالموت قدراً ووقف على حقيقة بعض الأحزاب والجماعات، من شأنه أن يقلب المعادلة ضدّ أعداء الداخل والخارج.

ويمثّل انقلاب مزاج الرأي العام في عدد من الدول الغربية، العامل الثالث الذي سيمثّل أداة ضغط قد لا تتحمّلها حكومة نتنياهو وقد يدفعها إلى التراجع الوقتي أو النهائي عن مخططاتها.

إنّ الثابت في سياسة إسرائيل هو الرفض المطلق لحلّ الدولتين، وبالتالي يمثّل السلام من جانبها أداة تكتيكية أو على سبيل المناورة من أجل بلوغ هذا الهدف الأسمى ويبقى من المتحوّلات، وأمّا من الجانب العربي فإنّ الإصرار على السلام كخيار استراتيجي هو الخيار الصائب لأنه يحرم إسرائيل من استعمال المحيط العدائي ذريعة للإمعان في عدوانها ومواصلة احتلال أرض فلسطين.