أثناء مسيرتنا في الحياة نعايش العديد من المفاهيم ونقوم بتجربتها، وخلال تلك التجارب نتعلم العديد من الأمور حولها، بعض تلك الأمور قبل أن نقوم بتجربتها نعتقد أنها بسيطة وعادية وقد يعيشها أي إنسان بدون أن تغير شيئاً به، إلا أن الأمر يختلف تماماً بعد أن يقوم أحدنا بالتجربة، من تلك المفاهيم الحيوية والمهمة، والمتواجدة والماثلة في حياتنا المنافسة، وسواء كنت في سياق مفيد ويزيد من الإنتاجية والحماسة والدفاعية نحو الإبداع، أو في جانبها السلبي الذي يثير القلق والعداوات.

في هذا السياق قد نجد تعدداً في الآراء في رؤية الجوانب التي تستحق المنافسة وتلك التي تتطلب التعاون والتكاتف، دون شك فإن مصطلحاً كهذا – المنافسة - واسع ويشمل جوانب متعددة ومواضيع متفرقة، كما أنها في البعض من الأحيان متطلب غداري يدفع نحو الإنجاز وتسريع الجهود لكنني أتوجه نحو المنافسة العدائية أو تلك التي ترتدي غطاء من التنافس الإيجابي وهي تتوجه نحو تحطيم القدرات وتثبيط العزائم.

ولعل السؤال البديهي في هذا السياق، مَن منا لم يعش أجواء من المنافسة في مختلف مراحل حياته؟ أليست – أي المنافسة – تُذيقُنا طعمها المّر منذ طفولتنا، ثم بدأت بشكل فعلي وعشناها خلال سنوات تعليمنا الدراسية الأولى، عندما نشعر بالحزن ليس لأننا حصلنا على درجة 7 من عشرة في اختبار مادة الرياضيات، بل نشعر بالحزن لأن شخصاً آخر حصل على 9 من عشرة وهي درجة أفضل من درجتنا.

الذي أشير له هي تلك المنافسة التي قد تكون غرست في قلوب وعقول البعض، مفادها أن التنافس ليس بهدف التطوير بل بهدف أن لا نشعر بالهزيمة، أو أن يأتي أحد آخر أفضل منا، أن يكون تطوير أنفسنا ليس لكي نصبح أفضل، بل لكي نتجاوز شخصاً ما، والمشكلة أن هذه الفكرة التي بدأت خاطئة منذ الطفولة تستمر وتنمو للتمحور على شخصياتنا، فأصبحنا نتوجه للتنافس حتى في تلك الجوانب التي لا طائل ولا عائد منها!

 أعتقد أنه عندما يصبح السعي للنجاح والخوف من الفشل، قائماً على رغبة تجاوز شخص آخر وهزيمته، يجب أن يبدأ الإنسان بمراجعة ذاته وأهدافه في الحياة، بل حتى قيمه ومبادئه، لأنني لا أعتقد أبداً بأن إنساناً واثقاً من قدراته ومن نفسه ولديه أهداف عالية، يعتبر تجاوز زميلٍ له عبارة عن إنجاز، بل على النقيض. أؤمن أنه يجب أن تسود روح المودة والمؤاخاة وتمني الخير للآخرين، ولا ننسى قول الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» يجب أن نتوقف عن وضع المقارنات والتفكير بما يملك الآخرون، أن نبدأ بالتركيز على أنفسنا وتقدمنا.

في هذا السياق أستحضر كلمة للدكتور غازي القصيبي - رحمه الله – في كتابه الذي حمل عنوان: حياة في الإدارة. قائلاً: «كنت، ولا أزال، أرى أن هذا العالم يتسع لكل الناجحين بالغًا ما بلغ عددهم. وكنت، ولا أزال أرى أن أي نجاح لا يتحقق إلا بفشل الآخرين هو، في حقيقته، هزيمة ترتدي ثياب النصر». يجب أن تكون أهدافنا أكثر سمواً ونقاءً حتى نشعر بالفخر الحقيقي بإنجازاتنا، نجاح شخص آخر لن يغير أي حقيقة عنك، بينما بإمكانك –دوماً- أن تجعل نجاحك يغير حياة الآخرين، لذلك يجب أن نتذكر دوماً أن هذا العالم يتسع لنا جميعاً، فلنعمل وكأنه كذلك.