العمل بصمت.. الإبهار لاحقاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلنا يعرف والت ديزني ومدينته الترفيهية الشهيرة، التي زارها حتى الساعة نحو 750 مليون شخص. غير أن الذي لا يعرفه الناس، أن هذا الرجل المتألق قد طُرد من وظيفته في عالم الصحافة؛ لأنه لم يكن لديه ما يكفي من الأفكار الإبداعية!

لم يثنه هذا الموقف المحبط، فواصل مسيرة تحدياته ليؤسس شركة للرسوم المتحركة، لكنه كان أيضاً أمام موعد للفشل، فلم يكتب لمشروعه النجاح. بعدها حاول أن يؤسس مع أخيه شركة والت ديزني التي ذاع صيتها لتصبح أشهر شركة في العالم للرسوم المتحركة حتى يومنا هذا.

وقيل إنه أول من أضاف الصوت للرسوم المتحركة، ليخرج لنا بفيلم «ستيمبوت ويلي»، ثم توالت إبداعاته مثل «سنو وايت والأقزام السبعة» الذي اعتبر أول فيلم طويل للرسوم المتحركة.

تمكن الرجل في لحظة صفاء من المساهمة في رسم أيقونة تلك المدينة وتخيل شكلها، وتفاصيلها، وكان وراء إنشائها من العدم، فلم يكن في العالم كله مدينة ألعاب ترفيهية بهذا الإبداع، والتنوع، والإثارة. اشتق منها أفلاماً، وصار الميكي ماوس هو شعارها الذي يرتسم في أذهان الناس قبل الانطلاقة. خياله وعمله بصمت ولدا لاحقاً «المدينة الأكثر سعادة في العالم» كما تسمى.

رغم أن دخول أمريكي إلى عقر دار القارة العجوز بمشروع كهذا كان محفوفاً بالمخاطر، إلا أنه قد نجح في تأسيس مدينته في قلب باريس، عاصمة الجمال، ليؤكد مجدداً أنه لا حدود للمستحيل سوى تلك الحدود التي نضعها في أذهاننا. فجسد آفاق إبداعاته على أرض الواقع.

وأكاد أجزم أننا لو عملنا استفتاءً للرأي فلن يَتَعَرَّف معظم الأمريكيين، ناهيك عن الشعوب الأخرى، على صورة والت ديزني، لكن بصماته هي التي بقيت خالدة.

كلما تذكرت والت ديزني تذكرت أولئك الذين يقتحمون علينا الشاشات الصغيرة والكبيرة بيومياتهم وسطحياتهم، وربما بعض من مشاريع لم تنضج بعد ليصدعوا بها رؤوسنا. كلما رأيتهم تذكرت من هم على شاكلة ديزني الذين لم يستسلموا قط لسيل الإحباطات والتهكم، واختاروا المضي في طريق التفاني.

وعملوا بصمت ودأب عجيبين حتى نضجت مشاريعهم، فصار يشار إليها ببنان الإعجاب. نحن نعيش في ثقافة عربية، تميل نحو الكلام قبل الفعل، والفرقعات الإعلامية قبل حفر المشروع، فنرفع سقف توقعات القاصي والداني حتى إذا ما انتهت أعمالنا كانت إما دون الطموحات أو لا تعكس تلك البروباغاندا الإعلامية. المشروعات الكبرى مثل ألذ المأكولات لا تطهى إلا على نار هادئة، فالاستعجال يحرق الأطباق مهما كانت حلاوتها.

كثير من الناجحين، ينعطفون عن طريق المجد عند أول عارض يعترض طريقهم، ليجدوا أنفسهم في أزقة التوهان، ويستسلموا لتندر المثبطين وما يرشقونهم به من كلام أجوف. كل إنجاز في البشرية وفي محيط العمل والصناعة كان مشروع تنمر، خصوصاً من أقرب المقربين، لكن ما إن ينجح المرء حتى تبدأ الحفاوة و«حفلة الالتصاق» بالناجح، مثل ترديد كان ذلك صديقي، وكان هذا زميلي، وهكذا.

المفارقة أن التوفيق لم يكن حليف والت ديزني في المدرسة، ففكّر في الانضمام إلى السلك العسكري فلم ينجح. وهذا دليل على أن الألم الذي يعتصر المرء ربما كان بداية طريق التألق. الخلاصة أن رحلة الكفاح ليست كلاماً إنشائياً، بل هي عزيمة وإصرار وصمت حتى يكتمل المشروع. فمعظم من وصلوا إلى خط النهاية أصروا على إكمال الشوط كله، والذين توقفوا طوتهم سجلات النسيان.

Email