أقول لحاسوبي: هل تعاني يا عزيزي كما أعاني؟
يقول الحاسوب: أعاني من ماذا يا عزيزي؟
أقول لحاسوبي: هل تعاني من السير بين حقول الألغام؟
يقول الحاسوب: أي حقول ألغام تعني، وأنا لم أخض حرباً قط، كما أنني لا أحب زيارة مناطق الحروب، لأنني مسالم بطبعي، لا أطيق رؤية منظر دماء القتلى والمصابين؟
أقول لحاسوبي: سأغيّر صيغة السؤال إذن، هل تعاني من السير بين الأشجار المليئة بالأشواك؟
يقول الحاسوب: أي أشجار مليئة بالأشواك هذه التي أعاني من السير بينها يا عزيزي؟ نحن نعيش في مدينة عصرية كبيرة، بعيدة عن الأرياف والحقول والمزارع.
أقول لحاسوبي: لم أعهدك ثقيل الفهم، كما أراك الآن يا عزيزي.
يقول الحاسوب: ولم أعهدك غامض العبارة، كما تبدو لي الآن يا عزيزي.
أقول لحاسوبي: كتبت اليوم فكرة ثم مزقتها.
يقول الحاسوب: لا تقل مزقتها، بل قل مسحتها أو احتفظت بها في ذاكرة حاسوبي أو هاتفي الذكي، فالناس لم يعودوا يمزقون ما يكتبون كما كانوا يفعلون سابقاً، لأن عصر الكتابة على الورق ولّى، وحلت محلها الكتابة على الحواسيب والألواح الرقمية والهواتف الذكية.
أقول لحاسوبي: لم أعهدك سفسطائياً كما أنت الآن، بل عرفتك قليل الجدل.
يقول الحاسوب: علمتني الحياة أن أكون مجادلاً أحياناً، أمتطي صهوة الكلام لأصل إلى المعاني.
أقول لحاسوبي: تعلمنا منذ الصغر أن الخط المستقيم أقصر مسافة بين نقطتين.
يقول الحاسوب: هذا ليس صحيحاً بالمطلق يا عزيزي، ذلك أن أقصر مسافة بين نقطتين، تتوقف على هندسة الجسم نفسه، فنحن عندما نعيش على أرض مسطحة، يكون الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين، لكن الأرض التي نعيش عليها كروية كما تعلم، وأقصر مسافة بين نقطتين على سطح كروي هو قوس، وليس خطّاً مستقيماً.
أقول لحاسوبي: زرعنا الكثير، ولم نحصد سوى القليل.
يقول الحاسوب: يبدو أن المهارة تنقصنا يا عزيزي.
أقول لحاسوبي: ولماذا لا تكون الأرض التي نزرع فيها قليلة الخصوبة؟
يقول الحاسوب: نحن دائماً نبحث عن مبررات كي نلقي عليها فشلنا عندما لا نصل إلى أهدافنا.
أقول لحاسوبي: الفشل درجات يا عزيزي، ولو كان له مقياس كمقياس «ريختر»، الذي يستخدمه علماء الجيولوجيا لقياس قوة الزلازل، لقسنا عليه حجم فشلنا.
يقول الحاسوب: أعوذ بالله من الزلازل، لا أحب تشبيه حالنا بها، ألا يكفي العالم ما يدور فيه من صراعات وحروب، كي تأتي الزلازل لتقضي على ما تبقى من حياة وبشر؟
أقول لحاسوبي: ها أنت تعود بنا إلى ميادين الحروب التي ابتعدنا عنها قبل قليل، وفضلنا عليها حقول الأشواك.
يقول الحاسوب: يبدو لي أننا نسير في دائرة مغلقة، فما نبتعد عنه نعود إليه مرة أخرى، ألا ترى أننا نقوم بإضاعة وقتنا في ما لا جدوى منه؟
أقول لحاسوبي: الدائرة شكل هندسي جميل، بلا زوايا قائمة ولا حادة أو منفرجة، وقد كانت محط اهتمام حكماء الإغريق قديماً.
يقول الحاسوب: لسنا إغريقاً يا صديقي، ولا نبحث عن حكمتهم، ولكن يبدو لي أنك تبحث عن فكرة، وما أنا إلا معبر أو ممر إلى فكرتك هذه.
أقول لحاسوبي: معاذ الله يا عزيزي أن أجعل منك معبراً أو ممراً، ولا أحتاج إلى معبر أو ممر للوصول إلى أفكاري.
يقول الحاسوب: أحاول أن أساعدك من خلال طرحٍ مقبولٍ لفكرةٍ لم تخطر على بال بشر.
أقول لحاسوبي: كل الأفكار مطروقة قبلنا وستُطرَح بعدنا. المهارة تكمن في كيفية الدخول إليها، وتناولها من زاوية مغايرة، وعرضها بأسلوب مختلف.
يقول الحاسوب: يبدو لي أنك قد استسلمت، وهذا طبع لم أعهده فيك.
أقول لحاسوبي: علمتني الحياة أن الثوابت قليلة، والمتغيرات كثيرة.
يقول الحاسوب: هذه وجهة نظر، وليست نظرية.
أقول لحاسوبي: سوف أكتبها إذن، طالما أنها وجهة نظر لا تقدم ولا تؤخر.
لا أعرف من وما الذي أنهى الحوار فجأة، جهاز الحاسوب الذي انطفأ، أم أنا الذي بقيت جالساً في مكاني، أعيد قراءة الحوار من الذاكرة التي توشك على الانطفاء هي الأخرى.