أعرف الإغراء بأن مؤثراً داخلياً أو خارجياً يتحول إلى رغبة ويحمل الذات على الانصياع لها وتستدعي الفعل لتحقيقها. وأسوأ الإغراءات تلك التي تجعل شخصاً يقوم بفعل لا يطيقه لقاء غنيمة ما.

وموضوعات الإغراء كثيرة لا حصر لها، ومتفاوتة في التأثير على المرء، بل ومختلفة في سلطتها. فكل إغراء هو سلطة تحملك على قبول نداء ما يدفعك للفعل.

والإغراء الصادر عن ذاتك هو دافع من أقوى الدوافع التي تسعى لتحقيقها، لكن التمييز بين دافع داخلي ودافع خارجي يحتاج إلى نظر.

هب إن شخصاً تغريه الثروة ويسعى لامتلاكها، هذا الإغراء ناتج عن ذات تنظر إلى الثروة بوصفها مصدر سعادة وقوة، وهب إن شخصاً آخر أغري بالمال من عامل خارجي لقاء القيام بفعل لا أخلاقي واستسلم لهذا الإغراء، فإن الإغراء هنا قد يؤدي إلى القيام بفعل لا أخلاقي، كالمرتزقة مثلاً.

المال أغرى كليهما، لكن الأول بدافع داخلي وراح يبحث عن العمل التجاري أو الصناعي أو المهني لتحقيق إغرائه الداخلي، فيما الثاني ضعف أمام إغراء خارجي. الإغراء الخارجي هو وسيلة لاصطياد الآخر، الآخر الذي له مصلحة في أن يغري.

فالخطاب الأيديولوجي هو خطاب إغراء لاكتساب جمهور. إذا ما اعتقد هذا الجمهور بالخطاب الأيديولوجي صار قوة لدى أصحاب الأيديولوجيا أو مؤسسيها. فالخطاب هنا بوصفه خطاب إغراء هدفه اصطياد الآخر. وهنا تكمن خطورة الدعاية الأيديولوجية لأيديولوجيا نافية للآخر بدافع ديني أو عنصري.

تأمل معي أيها القارئ العزيز الدعايات للسلع بوصفها وسيلة إغراء هدفها جني الأرباح.

إنها جزء من عملية البيع والشراء تاريخياً، أي عنصر في البنية الاقتصادية التي تفترض منتج السلعة وبائعها وشاريها.

صحيح أن وسائل التواصل المتعددة والوسائل الإعلامية جعلت من الدعاية مصدر ربح، لكنها تظل وسيلة إغراء مشروعة إذا لم تنطوِ على غش. أي إن الإغراء هنا جزء من عمليات السوق.

ولكن أسوأ أنواع الإغراء هو ذلك الذي ينطوي على خداع لغاية غير مشروعة وغير أخلاقية.

فالإغراء خداعاً صار منتشراً إلى الحد الذي يقع الكثيرون ضحيته.

دعوني من الحديث عن إغراءات مرتبطة بالجنس تملأ صفحات التواصل، وضررها أقل بكثير من إغراءات شراء الدواء الذي يخلصك من مرض إلى الأبد، دواء لا يُباع في الصيدلية.

كل دواء لا يُباع في الصيدلية دواء غير مرخص من المؤسسات الطبية العالمية، وأي دواء يحتاج إلى سلسلة اختبارات تمتد سنوات كي يحصل على الموافقة وطرحه في الأسواق.

ما هذا الدواء العجيب الذي يشفيك مباشرة من الداء الذي تعاني ولم يُجز من المؤسسات الطبية المعروفة عالمياً ولا علم للأطباء به إطلاقاً؟

ها هم يضعون على صفحة من صفحات الفيسبوك سؤالاً: ما مدى ارتفاع معدل ذكائك؟ ولا ينسوا أن يرفقوا ذلك بصور عباقرة منهم أنشتاين. تفتح البرنامج وإذا أنت أمام أسئلة عن أشكال متشابهة ومختلفة.. إلخ، وهي أسئلة لا تحتاج إلى ذكاء أصلاً، وحين تنتهي من الإجابة ولتعرف درجة عبقريتك يُطلب منك أن تضع رقم هاتفك، فما علاقة رقم هاتفي بإجابتي عن أسئلة سخيفة لا تحتاج إلى ذكاء؟ لماذا هذا الإغراء للوصول إلى رقم هاتفي؟ فالهاتف صار جزءاً من هوية الشخص ومعاملاته الحياتية، وقس على ذلك. لا شك إن في الأمر خدعة ما.

وقس على ذلك.

ولكن هناك وظيفة إيجابية للإغراء إذا كانت أهدافه متعلقة بأهمية بتنمية الشخصية الثقافية والإغراء بالقراءة لكتب الأدب والفكر والفلسفة وهكذا. وفي كل الأحوال حذار حذار من شياطين الإغراء ذي الأهداف السيئة.